أنت هنا

قراءة كتاب كازانوفا في بولزانو

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
كازانوفا في بولزانو

كازانوفا في بولزانو

كتاب " كازانوفا في بولزانو " ، تأليف ساندور ماراي ترجمه إلى العربية إيمان حرزالله ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 1

سيد محترم من البندقية

كازانوفا في بولزانو
كان في ميستر حين توقف عن التفكير، أوشك الراهب المتهتك بالبي أن يجعل رجال الشرطة يشمّون رائحتهما، ظل يبحث عنه عبثاً حين كانت عربة البريد على وشك الانطلاق ولم يجده سوى بعد بحث طويل، في مقهى، جالساً يحتسي مشروب شوكولاتة ويغازل النادلة بسرور. نفد ما لديهما من مال حين وصلا تريفيسو، فتسللا من بوابات كنيسة سانت توماس المؤدية للحقول، ثم زحفا بمحاذاة خلفيات الحدائق وحوافِّ الغابة حتى وصلا أطراف فالديبيادين عند الفجر، عندئذ أخرج جياكومو خنجره وغرز نصله تحت منخار رفيقه المقرف وطلب منه أن يقابله ثانيةً في بولزانو، ثم افترقا. تسلل الراهب واجماً إلى بستان زيتون وهو يزيح جذوع الأشجار العارية. قامة مزرية وقذرة تبتعد حتى تصير نقطة نائية، ينظر إلى ما يخلفه وراءه بنظرة كئيبة غريبة ككلب أجرب طرده سيده.
ما إن اختفى الراهب أخيراً، حتى انطلق جياكومو إلى وسط البلدة، وبغريزة عمياء يقينية، لجأ للمبيت بمنزل قائد القوة العسكرية. استقبلته زوجة القائد، امرأة دمثة الخلق، وأعدّت له عشاء، ونظفت له جروحه ـ كان دم متجلط قد التصق بركبتيه وكاحليه بسبب حكّهما بالرصاص وهو يقفز من أعلى السقف ـ أخبرته زوجة القائد قبل أن يسقط في النوم أن القائد خارج المنزل في مهمة بحث عن سجين هارب. تسلل خارج المنزل في اللحظات الأولى من الفجر، وقطع بضعة أميال أخرى. بات ليلة في بيرجين، وبعد ذلك بثلاثة أيام وصل إلى بولزانو ـ في عربة خاصة هذه المرة ـ إذ كان قد انتزع ستَّ قطع ذهبية غصباً من أحد معارفه.
كان بالبي هناك في انتظاره. نزلا بفندق الستاج. لم يكن لديه لا أمتعة ولا معطف، وكان شكله مزرياً. لم يتبق من بذلته الحريرية زاهية الألوان سوى أسمال، وكانت رياح نوفمبر القاسية تعصف بشوارع بولزانو الضيقة. تفحّص صاحب الفندق ضيفيه الرثّين وتمتم بعصبية:
ـ «أفضل الحجرات؟»
أجابه جياكومو بهدوء وحسم:
ـ «الأفضل. ونبِّه على العاملين في المطبخ عندك، أنتم في هذه الأنحاء تفضّلون طهو كل شيء بدهن زنخ بدلاً من الزيت، وأنا لم أحظَ بوجبة حقيقية منذ مغادرتي الجمهورية! أريد الليلة ديكًا ودجاجًا، ليس دجاجة واحدة، بل ثلاثًا، وبالبندق، واجلب بعضًا من نبيذ قبرص إلى أن يجهز الطعام. هل تحدّق في ملابسي؟ هل تستغرب وصولنا هكذا خاليي الوفاض بلا أمتعة؟ ألا تصلكم الأخبار هنا؟ ألا تقرأ اللايدين جازيت؟ أيها المغفل!» صاح بصوت أجش، فتحشرجت قصبته الهوائية بسعال مؤلم إثر أصابته بالبرد خلال رحلته. «ألم تسمع بأن سيداً محترماً من البندقية قد تعرّض وخَدَمَه للسطو على الحدود؟ ألم يظهر رجال الشرطة بعد؟»
ـ «لا، سيدي»، أجاب صاحب الفندق مذعوراً، فكتم بالبي ضحكته في طرف كمّه.
حظيا في نهاية الأمر بأفضل الحجرات: قاعة صغيرة بنافذتين طويلتين كبيرتين تطلان على الساحة الرئيسية، أثاث بأقدام منحنية، زجاج بندقي أعلى المدفأة، وناموسية فرنسية في غرفة النوم. كانت حجرة بالبي في نهاية الرواق، أسفل سلم ضيق شديد الانحدار يفضي لمبيت الخدم. وكانت له تعويضاً أسعده كثيراً.
ـ «سكرتيري»، قال جياكومو لصاحب الفندق وهو يشير إلى بالبي».
ـ «إن الشرطة صارمة للغاية»، قال صاحب الفندق بنبرة اعتذار، «سيكونون هنا في أية لحظة. إنهم يسجلون كل الضيوف».
أجابه جياكومو بلا مبالاة:
ـ «قل لهم إن ضيفك رجل نبيل. سيد محترم...».
ـ «حقاً!» أجاب صاحب الفندق بحماسة، وانحنى بشدة الآن، ذليلاً وفضولياً، وقبعته المزركشة في يده. وكرر مؤكداً: «سيد محترم من البندقية».
نطق الكلمات كما لو كانت لقباً أو مكانة رفيعة. حتى بالبي انتصبت أذناه لوقعها. دوّن اسمه في سجل الزوار بخطِّ مُتقنٍ وخبير. كان وجه صاحب الفندق أحمر من الحماسة: ظل يمسح صدغيه بأصبعه الثخين عاجزاً عن تقرير ماذا يفعل. هل يهرع إلى قسم الشرطة أم يركع على ركبتيه ويُقبِّل يد الرجل. وإذ لم يقرر شيئاً، وقف ببساطة صامتاً.

الصفحات