أنت هنا

قراءة كتاب نهاية السيد واي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نهاية السيد واي

نهاية السيد واي

كتاب " نهاية السيد واي " ، تأليف سكارلت توماس ترجمه إلى العربية إيمان حرزالله ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 2

أرى حين أفتح الباب الجانبيّ أشخاصًا يغادرون مبنى «راسل» ويمرّون بمبْنانا سيرًا أو ركضًا، يصعدون الدرجات الأسمنتية الرمادية نحو مبنى «نيوتن» والمكتبة. أنعطف يمينًا وأصعد الدرجات الأسمنتية قفزًا، درجتين في كلّ قفزة، السماء رمادية برذاذ كهربي رقيقٍ يعلَق في الهواء كأنّه جمُد داخل إطار. أحيانًا، في نهارات يناير تلك، تقرفص الشمس منخفضة في السماء مثل بوذا برتقالي مُلفَّع في فيلم وثائقيّ عن مغزى الحياة، لكن لا شمس اليوم. أصلُ لحافّةِ الزحام المتجمّع وأتوقّف عن الركض، الجميع ينظرون للشيء نفسه ويشهقون، ويصدرون أصواتًا كتلك التي تصدر عن مشاهدي عرض للألعاب النارية.

إنّه مبنى «نيوتن».

إنّه ينهار.

أفكّر في تلك اللّعبة ـ هل رأيتها مؤخّرًا على مكتب أحدٍ ما؟ ـ تلك التي على هيئة حصان خشبيّ صغير يقف على زِرٍّ حين تضغط عليه ينخّ الحصان على ركبتيه. هكذا يبدو مبنى «نيوتن» الآن، يخرّ منهارًا على ركبتيه لكن بلا اتّزان. ها قد انهار أحد جانبَيه، الآن الآخر، الآن... الآن توقّف، يصدر صريرًا ويتوقّف. تنفتح نافذة بالطابق الثالث على مصراعيها وتسقط منها شاشة حاسوب لتتهشّم على بقايا الفناء الأسمنتيّ بالأسفل، يقترب أربعة رجال بخوذات وسترات فلورسنتية من الفناء المنهار ببطء ثم يأتي رجل آخر يقول لهم شيئًا ما فيبتعدون كلُّهم ثانيةً.

يقف بجواري رجلان ببذلتين رماديتين.

«مشهد مكرّر(2)»، يقول أحدهما للآخر.

أنظرُ حولي بحثًا عن أحدٍ ما أعرفه، أجد ماري روبنسون مديرة القسم تتحدّث إلى ليزا هوبس، لا يوجد غيرهما الكثير من قسم إنجليزي. لكن ها هو ماكس ترومان يقف وحده يدخّن سيجارة، سيكون على علم بما يجري.

«مرحبًا آرييل»، يغمغم حين يراني قادمة وأقف بجانبه.

ماكس يغمغم دائمًا؛ ليس خَجلًا، بل بالأحرى كمن يخبرك بما عليك دفعه له مقابل تخليصك من ألدِّ أعدائك، أو تجهيز حصان للسّبق، هل يتقبّلني؟ لا أعتقد أنّه يثق بي، ولِمَ يفعل؟ بالنسبة له أنا صغيرة وحديثة العهد نسبيًّا في القسم وفي الغالب أبدو طموحة، حتّى وإن لم أكن كذلك، لي أيضًا شَعرٌ أحمر طويل ويقولون إنّني أبدو مخيفة (بسبب شعري؟ لسبب آخر؟) ومن لا يراني مخيفة يراني «مراوغة» أو «غريبة الأطوار»، قال لي أحد رفاق السكن السابقين ذات مرّة إنّه لا يحبّذ فكرة أن يُترك وحده معي على جزيرة منعزلة، لكنّه لم يقل لماذا.

«مرحبًا ماكس» أقول، ثم أضيف: «واو».

«في الغالب لم تسمعي عن النفق، أليس كذلك؟».

أهزّ رأسي، فيقول مشيرًا بعينيه لأسفل: «يوجد نفق سكّة حديد يمتدّ بالأسفل هنا»... يسحب نفسًا من سيجارته لكنّه ينزعها حين يجد أنّها انتهت ويشير بها حول الحرم مضيفًا: «يمتدّ أسفل راسل من هنا، وأسفل نيوتن من هنا، ويصل، أو كان يصل، بين المدينة والضفّة، لم يُستخدم منذ مئة سنة أو ما يقرب، وهذه هي المرّة الثانية التي ينهار فيها ويأخذ معه نيوتن، كان عليهم ردمه بالأسمنت في المرّة الماضية».

أنظر حيثُ أشار ماكس ويبدأ ذهني فورًا في رسم خطوط مستقيمة تربط نيوتن براسل، أتخيّل النفق تحتها فأجد أنّه أيًّا كانت الطريقة التي ترسم بها الخطّ، فلا بدّ أن يمرّ دائمًا بقسم الدراسات الإنجليزية والأمريكية.

«على الأقلّ الجميع بخير»، يقول. «فقد رأى عمّال الصيانة شقًّا في الحائط وأخلَوا المبنى تمامًا هذا الصباح».

ترتجف ليزا. «لا أصدّق ما يحدث»، تقول وهي تنظر لأعلى مبنى نيوتن. أظلمت السماء الرمادية وبدأ المطر ينهمر بغزارة. يبدو مبنى نيوتن غريبًا بدون أضوائه، كأنّه عقب سيجارة أطفأه أحدهم.

«ولا أنا». أقول.

لثلاث دقائق أو أربعٍ تالية نقف جميعًا صامتين نحدّق في المبنى ثم يجول بيننا رجل بميكروفون كبير يخبرنا أنّ علينا العودةَ لمنازلنا مباشرة دون أن نعود لمكاتبنا. أشعر برغبة في البكاء، ثمّة شيءٌ ما في الأسمنت المتهدّم حزين للغاية.

لا يعنيني الآخرون، لكنّ عودتي للمنزل ليست بتلك السهولة، فليس لديَّ سوى نسخة واحدة من مفتاح شقّتي هي التي في المكتب وكذلك معطفي ووشاحي وقفّازي وقبّعتي وحقيبة الظهر.

الصفحات