أنت هنا

قراءة كتاب نهاية السيد واي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نهاية السيد واي

نهاية السيد واي

كتاب " نهاية السيد واي " ، تأليف سكارلت توماس ترجمه إلى العربية إيمان حرزالله ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 4

«لعلّك مررت بشيءٍ ما بعنوان التفاحة في الحديقة، عمله الأكثر شهرة، لكنّ الأعمال الأخرى ليست متوفّرة، كان يكتب في الفترة من منتصف القرن التاسع عشر حتّى آخره، لكنّه لم يحظَ بالشهرة التي يستحقّها...».

«التفاحة في الحديقة. لا، لم يكن ذلك ما رأيته»، تقول. ثم تضيف «انتظري». وتستدير لخزانة الكُتب الضخمة في الخلف. لام، لوم، لوماس... لا. لا يوجد شيء هنا» ثم تردف: «عفوًا، لا أعلم في أيّ فئةٍ يضعونه، هل هو روائي؟

ـ «بعض أعماله روائية»، أجيب.

ـ «لكنّ له، أيضًا، كتابًا عن تجارِب الفكر، وأشعارًا، ومقالاتٍ في الحكم، وعدّة كتبٍ علمية، وروايةً بعنوان نهاية السيِّد واي، إحدى أندر الروايات...».

ـ «نهاية السيِّد واي، تلك هي». تقول بحماسة.

ـ «انتظري».

ثمّ تذهب وتصعد سلّمًا في الخلف قبل أن أستطيع إخبارها بأنّها بالتأكيد مخطئة، يستحيل حقًّا تخيُّل أنّ لديها نسخةً من الرواية هنا. أضحِّي بكلّ ما أملك مقابل نسخة من نهاية السيِّد واي، آخر أعمال لوماس وأكثرها غموضًا. لا أعلم بأيّ رواية أخرى اختلط عليها الأمر، لكنّ من السخف الاعتقاد بأنّها لديها، لا يوجد اسم هذه الرواية في فهارس أيّ مكتبة ولا أحد لديه نسخة منها، فنسختُها الوحيدة في خزانة بنك بألمانيا. لكنّ حدسي يخبرني أنّ سول بيرلوم رأى نسخة منها من قبل، لستُ متأكِّدة. معروف أنّ «نهاية السيِّد واي» تتبعها لعنةٌ ما، ومع أنّني بالطبع لا أؤمن بتلك الأمور لكنّ بعضهم يعتقدون فعلًا أنّك إن قرأتها...تَمُت.

ـ «نعم، ها هي»، تقول الفتاة وهي تهبط السلّم وفي يدها صندوق كرتون صغير، «أهذا ما تبحثين عنه؟».

تضع الصندوق على منضدة الاستقبال.

أنظر لما بداخله. ثم ـ فجأة يتوقّف تنفُّسي ـ ها هو: كتاب صغير بغلاف مقوّى مكسوّ بقماش كريمي وعلى الغلاف والكعب حروف بنّيّة، في حالة ممتازة تقريبًا ما عدا الغلاف الواقي. لكنّ هذا مستحيل. أفتح الغلاف، وأقرأ صفحة العنوان ومعلومات النشر. ياه، خراء. هذه نسخة من نهاية السيِّد واي، ماذا أفعل الآن بحقِّ الجحيم؟

ـ «كم ثمنها؟» أسأل بحرص، وبصوت صغير بحجم الدبوس.

«نعم، تلك هي المشكلة». تقول وهي تدير الصندوق. «فصاحبة المكتبة تحصل على صناديق كهذا من مزادٍ في المدينة على ما أظنّ، ولمّا كانت وضعتهم بالأعلى، فهذا يعني أنّهم لم يُثمَّنوا بعد». تبتسم وتضيف: «ربّما لم يكن عليَّ أن أريكِ الصندوق من الأصل. هل يمكنك أن تأتي مرّة أخرى غدًا حين تكون هي هنا؟»

ـ «ليس مؤكّدًا...». أبدأ القول، «لكن...».

تمرق الأفكار في ذهني كالأشعّة الكونية. هل أخبرها أنّي لست من هنا وأطلب أن تتّصل بصاحبة المحلّ الآن؟ لا. واضح أنّ صاحبة المحلّ لا تعلم أنّ الكتاب هنا . ولا أريد المجازفة بأن تكون قد سمعت عنه وترفض بيعه لي... أو تطلب مقابله آلاف الجنيهات. ماذا أقول لأجعلها تعطيني الكتاب؟ تمرّ عدّة ثوانٍ. ثمّ يبدو أنّ الفتاة تلتقط سمّاعة التليفون الموجود على المنضد. «سأتّصل بها» تقول. «لأعرف ماذا أفعل».

بينما تنتظر بدء الاتصال أنظر في محتويات الصندوق، غير معقول، فيه كتبٌ أخرى للوماس وبضع ترجمات لدريدا(3) ليست لديّ، وكذلك ما يبدو أنّه الطبعة الأولى من أيوريكا(4) لإدجار آلان بُو(5)، كيف آلت تلك الأعمال لصندوق واحد معًا؟ لا أتخيّل أن يربط أحد بينها ما لم يكن يعمل على بحث مشابهٍ لرسالة الدكتوراه التي أعمل عليها. هل يعقل أنّ أحدًا آخر مهتمّ بالموضوع نفسه؟ غير وارد، خاصّة وقد استغنى عن الكتب. كأنّني أنظر لساعة باليه(6). كأنّ أحدهم وضع الكتب معًا في الصندوق فقط لجذب انتباهي.

«نعم»، تقول الفتاة لصديقتها. «صندوق صغير. بالأعلى. نعم، من تلك الكومة في الحمام. مم... يبدو خليط من جديد وقديم، بعض القديم بالٍ وسَقْط متاع. أغلفة ورقية على ما أظنّ...». تنظر في الصندوق وتُخرج منه كتابين لدريدا. أومئ لها برأسي. «نعم، خليط حقيقي. ياه، فعلًا؟ عظيم. نعم. خمسين جنيهًا؟ حقًّا؟ هذا كثير. حسنًا، سأسألها. نعم. معذرة. حسنًا، أراك لاحقًا».

تضع السماعة وتبتسم لي. «حسنًا»، تقول. «أخبار جيّدة وأخبار سيّئة. الجيّدة أنّه بإمكانك شراء الصندوق كلّه إن شئتِ، والأخبار السيّئة أنّه لا يمكنني أن أبيعك منه كتبًا منفصلة، إمّا كلّه أو لا شيء حقًّا، سام تقول إنّها هي من اشترت الصندوق من مزاد، وصاحبة المحلّ نفسها لم تره حتّى الآن. وقالت ـ كما هو واضح ـ أن ليس لديها مساحة على الأرفف لمزيد من الكتب... والسيّئة أنّ الصندوق كلّه سيكلفك خمسين جنيهًا، لذلك...».

ـ «سآخذه...»، أقول.

«حقًّا؟ أتنفقين هذا القدر على صندوق كتب؟». تبتسم وترفع كتفيها. «حسنًا، لا بأس، أعتقد أنّ هذا بخمسين جنيهًا إذن، من فضلك».

ترتعش يدي وأنا أُخرج محفظة النقود من حقيبتي، أسحب ثلاث ورقات من فئة العشرة جنيهات وورقة من فئة العشرين وأمدّ لها يدي. لا أتوقّف عند هاتف أنّ هذا تقريبًا كلّ ما تبقّى لي في الحياة وأنّي هكذا لن آكل للأسابيع الثلاثة المقبلة. لكنِّي لا يهمّني شيءٌ حقًّا سوى أن أخرج من المكتبة بـ«نهاية السيِّد واي» قبل أن يدرك أحد أو يتذكّر فيحاول إيقافي. قلبي يدقّ بشكلٍ مستحيل. هل سأنهار وأموت بالصدمة قبل حتّى أن أقرأ السطور الأولى من الكتاب؟ خراء، خراء، خراء.

ـ «رائع، شكرًا، عذرًا لارتفاع السعر»، تقول لي الفتاة.

ـ «لا بأس»، أتدبّر أن أجيبها. «فأنا بطبيعة الحال في حاجة لكثير من هذه الكتب في رسالة الدكتوراه التي أعمل عليها».

أضع نهاية السيِّد واي في حقيبتي، أمان، ثم أحمل الصندوق وأخرج من المكتبة. أحتضن الصندوق وأسير للمنزل في الظلام، البرد يلسع عيني، عاجزة تمامًا عن فهم ما حدث توًّا.

الصفحات