أنت هنا

قراءة كتاب دروس التفكيك

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
دروس التفكيك

دروس التفكيك

كتاب " دروس التفكيك " ، تأليف د. حسام نايل ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 1

مقدمة الطبعة المصرية المحدَّثة

الوفاء لأكثر من واحد

يحكي هذا الكتاب قصتي الأولى مع التفكيك وقراءة الفلسفة، أذكر أن بدايتها كانت أوائل عام 1996، في هذا الوقت بلغ امتعاضي من دروس النقد الأدبي الرتيبة في جامعة القاهرة غايته، ولم أجد حينها وسيلة للتعبير عن هذا الامتعاض سوى القراءة في الفلسفة والتفكيك، فكنت أراوح بينها وبين قراءة الأعمال الأدبية حتى وقعت على ثلاثية إدوار الخرّاط، وأدهشني غاية الإدهاش الوقْع التفكيكي الحاد الذي يتخللها، فشرعت في اتخاذها نموذجًا أعمل على درسه، حتى كان هذا الكتاب الذي استغرقت كتابته ست سنوات تبدأ من أوائل عام 1998 حتى أوائل عام 2004، بلغت حماستي أثناءها المنتهى، في القراءة والسهر وإعادة القراءة، وفي اللعب والتسلي أحيانًا.

أردتُ به أن يكون درسًا تفكيكيًا نموذجيًا لثلاثية إدوار الخرّاط، وقد أعانني على ذلك نص الثلاثية نفسه، فلم أقرأ إلى الآن أعمالاً أدبية أخْلص للتفكيك من أعمال الخرّاط، بل لعل الخرّاط في أدبه أخْلص للتفكيك من إخلاص دريدا له في أعماله، ولم يكن لأحدهما معرفة بأعمال الآخر. ولعلي لا أجاوز الحقيقة لو قلت إن أدب الخرّاط من نوع الأفاعي التفكيكية الماحقة، فمنه تعلمت التفكيك حق التعلم؛ وإنه ليمثل حقيقةً ساطعةً وإثباتًا جليًا ناصعًا لمقولة دريدا اللافتة التي مفادها أننا نتعلم التفكيك من الأدب، فلم يكن درسي له جلبًا لإجراءات نقدية خارجة عنه. ثم اجتهدت ما وسعني الحال وقتها أن يكون درسي استجابة لتعليمٍ تفكيكيٍّ آخر قرره دي مان بمقولته الذائعة ومؤداها أن لغة الأدب وكذلك لغة النقد لَهي اللغة التي يسمِّي بها الإنسانُ نفسَه ويُحَوِّلُها أثناء تسميتها.

تلك أيام مضتْ وولّتْ!!

لذا كله، يمثل هذا الكتاب قطعة ماضية من نفسي، نسيجًا تتابعت عليه السنون. ولا زلت أذكر إلى الآن تفصيلاً إجراءات طبعته السورية الأولى- المحدودة- في دار الحوار حتى صدر عام 2006 تحت عنوان (أرشيف النص: درس في البصيرة الضالة)، مع أني كثير النسيان هذه الأيام. ومنذ أن شرعت في كتابته أوائل عام 1998 انقضت إلى الآن خمسة عشر عامًا أو تزيد شهورًا، كأنها السراب.

وقد حملت تلك الأعوام الخمسة عشر المنقضية في أواخرها حوادث عظيمة، مقلقة في كثير منها ومطمئنة في القليل، ولكنها في كل الأحوال تدعو إلى توقف وتدبر ثمَّ إلى قدر كبير من المراجعة والتساؤل عن جدوى الأطر الفكرية والفلسفية التي شَبَّ عليها المرءُ وبخاصة لو أخذنا في حسباننا إشارة البدء الإيجابية في تحول الوعي المصري المعاصر، التي مثلتها واقعيًا ورمزيًا 30/6-3/7 من عام 2013. ولا أدري إلى أية ناحية فكرية وفلسفية قد أنصرف بعد هذا التوقف المُراد ـ تناسب هذا الوعي الجديد ـ فأردت أن تقوم قطعة الماضي- كتابي هذا- مثل شاهدٍ مُنْتَصِبٍ.

لكن اقتلاعًا مفاجئًا بالانتقال من أرض إلى أرض على المستوى الفكري لا يناسب نفسًا عاقلة مفكِّرة، إنما يناسبها حركة هادئة متأنية. مُتدبّرة ومُريدة عازِمة.

لقد غيّرتُ عنوان الكتاب في النشرة الحالية. أردتُ بهذا التغيير تعبيرًا أدق عن مضمونه دون تعالٍ أو ابتهاج، وإني لأرجو من القارئ أن يغفره لي فقد نازعتني إليه نفسي نزوعًا لم أطق عليه صبرًا. كما أردتُ وصْله بكتابٍ لاحقٍ أوشكتُ على الانتهاء منه، يحمل عنوان: (دروس التفكيك: العائلة والقانون والدولة في الأدب المعاصر)، ثمَّ بكتابٍ ثالثٍ قيْد العمل يحمل عنوان: (دروس التفكيك: الفاتن المُدَوِّخُ وحركة العبد الأخير). أردتُ بتغيير العنوان أن أجعل الكتاب الحالي على رأس ثلاثية تعبر عن علاقتي بالأطر الفكرية والفلسفية العامة للحداثة وما بعد الحداثة في أوربا ومروِّجيها في أمريكا، وهي علاقة معقدة شأن كل علاقة بآخر غريب.

قمتُ في هذه الطبعة الجديدة بتنقيحات لغوية فتخففت من لوازم التركيب المعيبة التي رافقتْ تجربةَ الكتابة الأولى والتي نتجتْ عن المطالعة أو الترجمة عن لغة أجنبية. قمتُ أيضًا بإعادة صياغة كثير من العبارات، كما أضفتُ عبارات جديدة من النوع الشارح أو الإيضاحي. أما بناء الأفكار والفقرات ومفردات الكتاب الرئيسية فبقيتْ على حالها لم أمسسها، فلم أتدخل فيها بحذف أو إضافة، ولو أردتُ لما استطعتُ، أفبمقدور أحد إحداث تنقيح جوهري في قطعة ماضية من نفسه؟!

يظهر أن درس الحياة الأثير هو ضرورة الوفاء لأكثر من واحد.

حسام فتحي نايل

الجيزة، منشأة البكاري- 11/11/2013

الصفحات