أنت هنا

قراءة كتاب تحولات الشعرية العربية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تحولات الشعرية العربية

تحولات الشعرية العربية

إنَّ من الطبيعي أن تكون لغة الشعر الجديد لغة جديدة.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
المقدمة
 
إنَّ من الطبيعي أن تكون لغة الشعر الجديد لغة جديدة. فتفسير قصيدة من هذا الشعر يحتاج منا إلى أن نقف عند أسلوبها في الأداء أطول بكثير من الوقوف عند موضوعها أو مضمونها أو الباعث عليها.
 
فالأسلوب هو المظهر اللغوي المباشر للتحول الذي طرأ على الواقع والمألوف في هذا الشعر، لقد اختل التوازن القديم بين مضمون العبارة وأسلوب أدائها. وأصبح الأسلوب الجديد بما فيه من تنافر وتضاد وإغراب وقلق وتقطع وفجوات هو الذي يجذب الأنظار قبل أي شيء آخر. فالتباين والتنافر بين أسلوب التعبير والشيء المعبر عنه أو بين الإشارة والمشار إليه قد أصبح من أهم قوانين الشعر والفن الحديث كافةً.
 
هذا الأسلوب المتنافر الشاذ قد زاد ثقله في القصيدة إلى حدّ تجريد الموضوعات التي يلمسها من أهميتها ومعناها، بل ومن وجودها الواقعي نفسه. فالقصيدة الحديثة تتلافى الاعتراف بموضوعية العالم الكائن خارج الذات أو داخلها حتى لا ينال من أسلوبها، وإذا تناولت بعض بقايا هذا العالم الموضوعي فهي تستغلها لتحريك المخيلة وزيادة طاقاتها على التحويل والتشويه والتبديل. وليس معنى هذا أن الشعر الحديث يقصر نفسه على موضوعات قليلة أو عديمة الشأن فهنالك قصائد تزدحم بالعديد من الأشياء والموضوعات المهمة ولكن هذه الأشياء والموضوعات تخضع لتركيبة جديدة وأسلوب جديد في الرؤية والأداء الفني الجديد.
 
وقد ألح الشعراء والفنانون الجدد على الصدمة والمفاجأة التي تحدثها هذه اللغة حتى صار الانقطاع هو ما يميزها، وذلك في سعي الشعراء الدائم لخرق توقع القارئ ومفاجأته ببنىً شعرية متجاورات بالنظم متفارقات بالروابط والصور والمعاني، ومن هنا جاء اختيار (المجاورة الانقطاع في الشعر العربي الحديث) موضوعاً لهذه الدراسة بعد أن أنعمت النظر بما قرأت عنه في كتاب (قراءات في الأدب والنقد) للدكتور شجاع مسلم العاني، وبما جاء في بحث لكمال أبو ديب بعنوان (لغة الغياب في شعر الحداثة) نشر في مجلة الأقلام، في العدد الخامس من العام 1989، وقد تحدث فيه عن الانقطاع، وعده من تجليات لغة الغياب.
 
وحقيقة أنَّ الانقطاع كان قد ذكر بوصفه مصطلحاً عند جان كوهن في كتابه (بنية اللغة الشعرية)، وجاكوب كورك في كتابه (اللغة في الأدب الحديث)، كما ذكره عبد الغفار مكاوي بصورة غير مباشرة في كتابه (ثورة الشعر الحديث) فهو لم يذكر الانقطاع بشكل مباشر ولكنه ذكر صفات ذلك الشعر من تشتت وتنافر وعدم ترابط بالمفردات والجمل والخطاب، أما في الرسائل الجامعية فقد ذكر الانقطاع في أطروحة الدكتوراه (التوازي في القرآن الكريم) لوداد مكاوي من كلية التربية للبنات جامعة بغداد 2001م، وأطروحة الدكتوراه (الإشارة الجمالية في المثل القرآني) لعشتار داوود محمد من كلية التربية، جامعة الموصل 2005م.
 
وعلى الرغم من توافر بعض المعطيات النقدية الحديثة التي لها صلة مباشرة بموضوع هذه الدراسة، إلا أنَّ المشكلة التي كانت قد واجهتني في مراحل الكتابة، هي قلة المصادر التي تناولت المجاورة والانقطاع في الشعر، لاسيما أن حاجتي كانت ملحة وضرورية إلى أن أجد أساساً رصيناً أرتكز عليه في قضايا التنظير والتطبيق التي قامت عليها هذه الرسالة. من أجل ذلك أخذت أبحث بعناية في كتب النقد والبلاغة القديمة، كما في كتب الدراسات العربية والغربية المترجمة ومحاولة إيجاد انسجام بينها.
 
وكان مشوار رحلتي في الدواوين الشعرية أصعب، لكثرة النصوص الدالة على الظاهرة موضوع الرسالة، واختلاف مقاصد الشعراء في بناء المتجاور من أبنية الشعر وانقطاعاته، وكد المتلقي في التأويل واحتمال التعدد، فضلاً عن فقر المكتبات داخل العراق من الأعمال الشعرية التي تغطي مساحة الوطن العربي وخارجه والتي تقع بحدود الزمن المقرر لدراسة الظاهرة (1970-2000)م ومهما يكن من أمر فقد سهل علينا ما صعب بمشيئة الله تعالى، وعون المخلصين حتى تكاملت لدينا الرؤية والوسيلة فكان التخطيط لهذه الدراسة على النحو الآتي:
 
التمهيد وتضمَّنَ تحديد المفهوم بين الموروث والحداثة وقد تناولت فيه المجاورة الانقطاع أو الفصل والوصل من وجهة نظر البلاغة العربية القديمة وحاولت ربطها بالأسلوبية الحديثة، أما الفصول فقد ضم الفصل الأول مبحثين: اشتمل المبحث الأول فيه على الانقطاع على أساس العطف بين المفردات عبر المغايرة في استخدام أدوات العطف، أو التحرر منها كليا، أما المبحث الثاني فقد تكفل بالتضاد والتنافر بين المفردات، أما الفصل الثاني فقد خصص للانقطاع بالجملة، وقد اقتصر على مبحثين تحدثت في المبحث الأول كما في الفصل الأول عن الانقطاع على أساس العطف بين الجمل، عبر المغايرة في استخدام أدوات العطف، أو التحرر منها كليا، أما المبحث الثاني فقد خصّص للالتفات درست خلاله الالتفات بالبلاغة العربية القديمة، وحاولت ربطه بالأسلوبية الحديثة وعرضت فيه أهم الآراء التي تناولت الموضوع قديما وحديثا، وقد خصصت فقرتين لدراسة الانقطاع ضمن مبحث الالتفات، وهي الانقطاع بالتبادل الضمائري والانقطاع بالزمن (من الماضي إلى المستقبل وبالعكس)، أما الفصل الثالث فكان عن الانقطاع في الخطاب، وقد ضم مبحثين، وقفت في المبحث الأول عند حدود الصورة، وقد درسته بمسربين، الأول شمل المفارقة، والثاني التراكم الصوري وتوليد الصور بعضها من بعض، أما المبحث الثاني فقد كان عن الإيقاع، وتحدثت خلاله عن الإيقاع الداخلي للقصيدة الحديثة ومحاولة الشعراء التركيز على التكرار والتوازي في الشعر، لِلَمّ شتات الفقرات المتنافرة، ومحاولة ضم القصيدة إلى مرتكز ترتكز عليه، وإلا أفضى شعرهم إلى اضطراب كامل، لأنهم لم يُعْنَوا بالوزن ولا القافية ولا المعنى، وقدمت الدراسة بعد هذه الفصول نتائج تضمنت أهم ما توصلت إليه.

الصفحات