أنت هنا

قراءة كتاب قضايا قيد التكوين

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
قضايا قيد التكوين

قضايا قيد التكوين

كتاب " قضايا قيد التكوين " ، تأليف د. حسن خليل ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

مقدمة

تعددية، هويّات... ومراكز تجارية

"خلال دورة إعداد منشطين لإدارة نشاطات تربوية وترفيهية للأطفال، طرح المدرب المعادلة التالية على شكل سؤال-إشكالي : هل حياة العصفور في الجبل هي ضرورية لحياة السمكة في البحر؟ الدهشة وربما الاستغراب كانا السمة العامة لمحاولات الإجابة، إذ لا رابط مباشراً من حيث النوع أو المكان أو البيئة بين الاثنين، ويعني ذلك بالجواب المباشر أنه لا ترابط. المنطق الشكلي الذي تحكم في طريقة الجواب لم يأخذ في الاعتبار إلّا ما هو ظاهر مباشرة، ولكن كانت الدهشة أكبر عندما تم تفكيك التركيب المعرفي من خلال تفكيك الترابط وكشفه بالاستناد إلى الوظيفة البيئية لكل واحد من المكونات: الشجرة والعصفور والمناخ والأمطار والمياه والجفاف... يجعلنا نرى أن سبب بقاء الثاني هو حتماً وحكماً ضرورة وجود الأول" (1).

من هذا المنطلق، نجد أن العنوان المطروح للنص يمكن أن يُوقع قارئه في الإشكالية نفسها التي واجهت مجموعة المتدربين أمام معضلة "السمكة والعصفور" . لكن، استناداً إلى المنطق التفكيكي سنحاول فهم الأمور وتبيان العلاقة القائمة، إن لم تكن من حيث الترابط الوجودي أو المعرفي، فمن حيث الواقع السياسي والثقافي المسيطر على عالم ما بعد القيم (2) الذي أرست ركائزه عولمة مابعد نهاية الحرب الباردة وعممته سياسات النظم الرأسمالية التي تحكمت، وعمقت أزمته، الأزمة الحالية المتفاعلة والمتفلتة عالمياً. وعليه، نحن في قلب متاهة يلزمها أكثر من منطق تفكيكي لفهمها، وأكثر من آخر تركيبي لحلها ولإعادة تشكيلها.

إن التداعيات المترتبة على الأزمة الحالية لا يمكن ولا يجب حصرها بالجانب الاقتصادي، على أهميته، فقط، وإنما بمختلف الجوانب ولعل أهمها ما هو متعلق بالبيئة السياسية المرتبطة بالواقع الاجتماعي الذي سيتفاعل عل نحو عنيف ومتصاعد في الفترة الراهنة والآتية وذلك لسببين: الأول مرتبط بتأثر المواطنين وخاصة أصحاب الدخل المحدود والفئات العمالية بالأزمة الحالية وما سينتج عنها من مشاكل واضطرابات في اتجاهات مختلفة، والثاني مرتبط بسياسات الحكومات المسؤولة عن تلك الأزمة من خلال محاولاتها تحويل أو حرف النقاش إلى قضايا أخرى وخاصة القضايا الخلافية والمثيرة كنقاش الهوية الوطنية أو الاندماج المجتمعي أو التفوق الثقافي (3) أو غيرها من أمور تدخل في صلب القضايا التي لطالما شكلت مادة للتعبئة والتحشيد في سلوكيات كل النظم التي تحكّمت في السياسات الدولية في العقدين الأخيرين. ارتباطاً بهذا الموضوع وبهذه الوجهة، نرى أن ثمة جهداً مضنياً يُبذل حالياً في المجتمعات الغربية من قبل حكوماتها، والتي هي بالمناسبة الأكثر يمينية في سلوكها السياسي والاجتماعي، لتسليط الضوء وحرف النقاش عن أسباب الأزمة، إلى ما هو أكثر استهدافاً وإثارة للمشاعر القومية أو العصبوية أو حتى العنصرية كمثل النقاش في الهوية الوطنية، التعددية، الأديان، الهجرة والمهاجرين والاندماج المجتمعي... في فرنسا أو سويسرا أو ما يجري في المانيا وبلجيكا وبريطانيا... وغيرها ربطا بما جرى ويجري في الولايات المتحدة الأميركية منذ احداث 11 ايلول 2001، لنجد بأن منطق الأمور متجه إلى منحى آخر يرتبط بمحاولات لإثارة قضايا من النوع السابق الذكر للتغطية على مفاعيل الأزمة الحالية ولتغطية قرارات وسلوكيات ستتضح أشكالها ونوعيتها في القادم القريب من الأيام. مع ملاحظةتصاعد حالة من الكره تجاه الأجنبي أي اجنبي وفي أي بلد كان أو لأي بلد انتمى (4).

إذا ما أضفنا إلى كل ذلك السلوك المتنامي للحركات المتطرفة والأصولية على اختلاف تنوعاتها ومصادرها ومصادر دعمها وتمويلها نرى اكتمال المشهد على صورة أكثر ضبابية وقتامة وخطورة. هنا بالضبط تكمن المشكلة ومن هنا يستوجب النقاش وخاصة كشف العلاقة المباشرة أو غير المباشرة القائمة ما بين النظم الحاكمة حالياً في العالم والأحداث المتلاحقة: علاقة، إن لم تكن بحكم الإرتباط فبحكم المصالح المتبادلة، وبذلك يكتمل المشهد أو أقله يمكننا كشف أو استشراف ما ستؤول إليه الأمور لاحقاً. بهذا المنحى سنحاول مناقشة الترابط بين القضايا المطروحة في هذا النص مرتكزين على بعض القضايا المثارة حالياً في العالم.

إن بروز مثل تلك النقاشات لم يأت من فراغ أو مجرد موضوع يُطرح من هنا وهناك. انه امتداد لسياسة قديمة- جديدة من حيث الشكل والمضمون والاستهداف. ان المخفي من الأهداف هو أكثر بكثير من المُعلن، وعليه يستوجب ليس القفز من فوقه على اعتباره سياسة يمينية أو عنصرية من قبل سلطة حاكمة من هنا أو هناك، وليس أيضاً التماهي أو المزايدة أو التشدد في الانخراط فيه من جهة أو الإقلاع عنه من جهة أخرى. بل المطلوب هو المشاركة الحقيقية ليس في مناقشة من يُطلق تلك القضايا ويثيرها بشكل غرائزي وعنصري وإنما مناقشة القضايا في ذاتها، بمعنى آخر مناقشة القضايا وليس الأشخاص. يجب ان لا يُصبح نقاش الهوية الوطنية مثلاً حكراً على من يحتمي ويتلطى بالتزمت والشعارات الجوفاء لإمرار سياساته، وليس نقاش القضايا الاجتماعية فقط حكراً لمن يعتقد أنه المعني الوحيد بها والتعددية ليست: منبراً لرفض ثقافة الآخر أو مدعاة للانغلاق والانعزال وبالمقابل ليست للتماهي المطلق على قاعدة رفض العنصرية ودعوة للانفتاح ولتقبل الآخر فقط دون ايجاد الأرضية الحقيقية لإرساء نمطها.

الصفحات