أنت هنا

قراءة كتاب حبيبتي كريت

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حبيبتي كريت

حبيبتي كريت

رواية " حبيبتي كريت " للكاتب التركي سابا آلتن صاي، والتي ترجمها للعربية محمود أمين آغا، نقرأ منها:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 2
إن قلب «هانيا» الرقيق يَغمرُ بالحبّ «إسفاكية» أكثر من «رَسْمو». «هانيا» لا شكّ حسناء «كريت»!.
أمّا ابراهيم ابن الصائغ مصطفى، حين يشرع طريقه ليفتح محلّه أثناء تأهّب الباعة والحرفيين لفتح دكاكينهم، فإنه كان يشغل تفكيره بـ «كريت» و«هانيا» في كلّ خطوة يخطوها في كلّ شارع. وعند كل حَجَرة، وسور كلّ حديقة، كان لا يفتأ، يفكّر بذلك كلّه، وعندئذٍ كان يلوذ إلى خطيبته جميلة.
«جميلة» بجسدها الرّقيق النّحيل، بعينيها الحوراوين الشّفّافتَين مثل جناح الفَراش، وزُرْقتهما الغامقة الّتي تذكّر بالبحر الذي يحيط بـ «كريت». إذا تأمّلْتَ في تلك الزّرقة تجد فيهما أسماك المنطقة وطيورها، تتألّم فوراً وتفرحُ فوراً. و«كريت» الممتلئة مثل ضروع الماعز السّمين العنيد، بجبالها المتفرّعة المتشعّبة، وصخورها، وبحرها، ورياحها القاسية الهائجة بجنون... قد تموت من أجلك، وقد تُزْهِق روحك.. هذه هي «كريت»، تبدو و«جميلة»، كأنّهما فرسا رهانٍ في عين ابراهيم.
كلتاهما محبوبتان، كلتاهما تمتلكان جمالاً أخّاذاً يفتن القلوب. كلتاهما لا تُضاهَيان أبداً.
«هل تستحقّين هذه الرّزايا يا «كريت»؟ هل يليق بك الألم يا جميلة؟ جمالك يضيعُ هباءً منثوراً في هذا المحيط المشحون بالنّكبات، في هذه الظروف الدامية التي تعصف بالأجساد، في الجوّ المتأهّب للانفجار، والأحوال المتأزّمة دون انقطاع»: هذا ما كان يشغل عقل ابراهيم وفكره.
كان يسير في الطريق الوعْرة ذات الحجارة الكبيرة، بينما قلبه يخفقُ بشدّة: من يدري، قد يكون مصحوباً بأصوات أزيز الرّصاص (بم بم). ويده على مقبض سكّينه المزدوج المعلّق على حزام سرواله المحلّيّ الصّنع، وهو ذاهب ليفتح الدُّكّان قبل أبيه.
كان كلّ صباح يخرج متوضّئاً، وحَذراً من رصاصة طائشة قد تصيبه.
كان في الثامنة عشرة، بوجهه الجميل الوضّاء الحليق، على رأسه طربوشه الذي يميل قليلاً إلى الطرف الأيمن، وشعره الكثيف الليّن مثل ريش الطيور، يتدلّى على جبينه وحاجبَيْه الكثيفين المنضودين بتناسق، كما يغطي عينَيْه السّوداوين الشبيهتَيْن بحبّة اللوز، واللتين ينظر بهما ببراءة طفل وحكمة ناسكٍ زاهد.
وجنتاه بارزتان، وشفتاه الرقيقتان تسوّران ثغره في وجهه المتطاول، وشاربه المبلّل بالعَرَق قليلاً.. سبحان الخالق الذي أبدع له كلّ عضو مثاليّ، وزيّن به رأسه الذي يحمل معالم جزيرة «كريت»، هذا الرأس المتناسق الكبير، بأذنيه الكبيرتين المُرْهفَتيْن اللتين يُصيخ بهما السمع ليلتقط زقرقات العصافير وأمواج البحر، وجلبة كلّ إنسان، وصوت كلّ رصاصة.
هذا الرأس قد رُكّب على عنق طويلة ومنكبَين عريضَيْن، وعلى صدرٍ رَحْبٍ ثم على خَصْرٍ رفيعٍ رشيق، وأخيراً على ساقَيْن معتدلتَيْن مثل القلم، حتّى غدا مثلاً أعلى للإنسان الكريتيّ، بل وأدهش أبناء كريت أنفسهم.
كانت مشيتُه مثل مشية الحجل. ما إن يلوح بسرواله، ويقطع الزّاوية، حتى تجيش البنات الجميلات خلف النوافذ، فيأخذْن الماء البارد، ويبلّلن أثداءهن التي يكشفْنها بغية ترطيب صدورهنّ. أمّا هو فلا يلتفت، بل يُطرق خجلاً، لا أحد يعرف بِمَ يفكّر. ففؤاده هائم بفتاة غضّة، يتقرى مشاعره، وكلّما تفقّد قلبه واصل مسيره، ومن ثمّ تتألق ابتسامة على ثغره في وجهه النّاصع، وكلّما أشرقت الابتسامة أكثر ظهر الارتباك في ضحكته ونظراته، ويده، وساعِدِه، وخطواته. حينذاك يخفي رأسه بين كتفَيْه ويتمنّى وسط الطريق أن يكون طيراً، فيبسط جناحيه ويطيرَ هرباً.
لا يدري ماذا يفعل إزاء الضحكات التي تتناهى إلى أذنه من الشبابيك المتقاربة في الأزقّة الضّيّقة، وعبارات الثرثرة، والتمتمات الحارّة (احترقْتُ يا عاشقي)، ولا يدري وإلى أين سيذهب. يدور قلبه ويدور، ثمّ يجد «جميلة» مثل الولي (الخضر)، يلوذ إلى حُبِّه وكأنّه السّبيل للخلاص.

الصفحات