أنت هنا

قراءة كتاب قراءات في الأدب العربي قبل الإسلام

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
قراءات في الأدب العربي قبل الإسلام

قراءات في الأدب العربي قبل الإسلام

هذا الكتاب محاولة لقراءة دراسات للدكتور مصطفى ناصف لشعر ما قبل الإسلام للكشف عن رؤيته وقراءته لشعر ذلك العصر.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2
الشعر العربي قبل الإسلام في دراسات
الدكتور مصطفى ناصف
 
درس د. مصطفى ناصف الشعر العربي قبل الإسلام ودعا إلى قراءته قراءة ثانية تزيل الحواجز النفسية والعقلية القائمة بيننا وبينه(1)، إذ إن الأدب العربي، نشأ من الأدب العربي قبل الإسلام، ولا يمكننا معرفة ثقافة وفكر الشاعر العربي في أي عصر من العصور دون الرجوع إلى ثقافة الشاعر العربي قبل الإسلام. وإنّ التطور الذي نطمح إليه يكمن في إعادة تشكيل الماضي، وليس الماضي إلا الأدب الجاهلي(2).
 
وذكر الكثير من الأمور التي تدل على أنّ العرب في ذلك العصر كانوا على قدر من الفهم والثقافة والمعرفة، وما قصة تعليق الأشعار على أركان الكعبة إلا دليل على أنّ مجتمع ما قبل الإسلام كان متمكناً من التمييز بين ما هو شخصي وما هو اجتماعي، كما كانت له القدرة على البحث عن مقومات أفضل للحياة. ولو اعتمدنا على القرآن الكريم فسنجد صورة جديدة لذلك العصر تختلف عن الصورة القائمة التي رسمها الكثير من الباحثين له.
 
إذن، لا بد لنا من أنْ نعيد النظر في عصر ما قبل الإسلام وشعره، ونثبت خطأ النظرية التي ترى أنّ الشعر كان بدوياً وساذجاً، لا عمق فيه ولا ثراء(3).
 
رأى ناصف أنّ النقاد الذين اهتموا بالمواقف الاجتماعية والاقتصادية تصوروا الشعر ضرباً من التزيين والتمجيد(4)، و ((تجاهلوا أثر العوامل الثقافية التي تسهم في تكوين القوالب الاجتماعية والاقتصادية ذاتها)) (5). وخلطوا بين سيرة الشعراء وشعرهم، بسبب عدم تفريقهم بين البواعث والفن أو طبيعة القصيدة نفسها. كما أنّ اهتمامهم بالوسط الاجتماعي – وهو وسط غير مباشر – جعلهم يهملون البيئة المباشرة وهي تراث الشعراء الذين يستمد الشاعر الفن منهم أكثر مما يستمد من الطبيعة والمجتمع(6).
 
لقد أضرّ التفكير الاجتماعي بعقول النقاد ومنعهم من الوصول إلى دقائق الفن، ومن هنا كان حثه على دراسة ((إمكانيات الخيال التي لا تنتهي)) (7)، فالشعر خلق خيالي قد يعبر عن عاطفة أو شيء أو فكرة(8)... وإنّ فهم النص الشعري لا يتم بإرجاعه إلى نظريات وأصول أو عوامل حضارية واجتماعية الآن ((النص – دائماً – ذو كيان فردي، وإضافة جديدة وكثيراً ما لا ينتهي إلى نقطة حاسمة)) (9).
 
رفض ناصف تقسيم القصيدة العربية في عصر ما قبل الإسلام على موضوعات(10)، ورأى أنَّ فكرة هذا التقسيم رديئة ومتداخلة، وغير منبثقة من الشعر نفسه وإنّما من خارجه، لغرض تسلية المجتمع بفني الوصف والنسيب، أو سدّ حاجاته بفنون الحماسة والمدح والفخر ... وأكد وحدة الشعر وفساد فكرة الموضوعات، إذ إنّ ((الشاعر يتحدث من خلال العرضي عن الجوهري، ومن خلال المديح والهجاء والرثاء عن مشكلات الإنسان التي يواجهها باستمرار على الرغم من اختلاف الزمن والثقافة)) (11). وقرر أنّ النقاد مزقوا القصيدة حينما قسموها أغراضاً منها، الغزل، والوصف، والمدح، والفخر، والاعتذار ... وقد بدا عقل الشاعر – بسبب ذلك – سطحياً ومفككاً، فالشاعر ليست لديه القدرة على الربط والوحدة، لذا وقف عند الظواهر والعوالم الحسية ولم يتجاوزها.
 
ومن هنا كانت أهمية دراسة الشعر بمعزل عن فكرة الموضوعات التقليدية، والسذاجة العقلية التي تمليها البيئة الخارجية على عقول الباحثين(12) و ((الاعتماد على مفهوم الرمز من أجل دحض فكرة الأغراض، ودحض السخافات المتعلقة بوحدة القصيدة. وبدلاً من أنْ يُدرس الشعر العربي دراسة أغراض علينا أنْ ندرسه دراسة رموز)) (13).
 
ودعا ناصف إلى قراءة الأساطير لفهم الشعر(14). واعتمد في تحليله للنص العربي قبل الإسلام على فكرة كون الرمز أداة التعبير في الفن، وهو كما يقول يونج: ((وسيلة إدراك ما لا يستطاع التعبير عنه بغيره، فهو أفضل طريقة ممكنة للتعبير عن شيء لا يوجد له أي معادل لفظي، هو بديل من شيء يصعب أو يستحيل تناوله في ذاته))(15). ومن هنا كانت دراسة ناصف للأطلال، والمرأة، والفرس، والناقة، والمطر، والليل، بوصفهم رموزاً لها دلالات معينة سنبينها لاحقاً.
 
وقد استند في تفسيره لهذه الرموز إلى نظرية يونج في اللاشعور الجمعي وهو يعد من أوائل الذين عالجوا النص الشعري معالجة تعتمد على هذه النظرية لاعتقاده أننا حينما نقرأ الشعر العربي قبل الإسلام نكون بإزاء ضرب من الطقوس أو الشعائر التي تصدر عن عقل جماعي، لا عن عقل فردي(16).
 
يحوي اللاشعور الجمعي – مصدر الرموز ومنبع الإبداع الفني – خبرات الأسلاف، وذكريات الإنسان، وأوهامه، وأحلامه، وأساطيره، وعباداته، وأنماطه السلوكية، والأحداث الطبيعية التي تراكمت آثارها وتكررت منذ ظهوره. وهو يرث هذه الرموز، وتخزن في لا شعوره الجمعي، ولا تظهر عنده – إذا ظهرت – إلا في حالة النوم. أمّا عند الشعراء فتظهر في حالات اليقظة بوصفها مواقف تكييفية وتعويضية عن الحياة الشعورية (17).

الصفحات