أنت هنا

قراءة كتاب القصائد المائية - دراسات أسلوبية في شعر نزار قباني

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
القصائد المائية - دراسات أسلوبية في شعر نزار قباني

القصائد المائية - دراسات أسلوبية في شعر نزار قباني

كتاب " القصائد المائية - دراسات أسلوبية في شعر نزار قباني " ، تأليف سمير الشيخ ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2008 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

نص موازٍ

في أوديسا الأفكار والمفاهيم التي أفرزتها المنظومة المعرفية في القرن العشرين، يبرز «النقد الأسلوبي» كاتجاه يقوم فيه النقد على أساس من العلم. وبقدر ما كان هذا الاتجاه رفضاً للانطباعية التي تسيّدت الوضع النقدي الأوروبي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بقدر ما كان استجابة للتحولات الدرامية التي شهدها الدرس اللساني الحديث ومدى إسهاماته في الدراسات النقدية. فالدرس اللساني قد قدّم للنقد الأدبي أساساً جديداً لرصد البنية اللسانية واستنطاق جمالياتها المكوّنة. وبالرغم من أن البنية كرسالة لم تعد مثار اهتمام المدارس النقدية، وانصراف النظر النقدي عنها حيناً إلى القارىء كشريك في العملية الإبداعية، إلّا أن البنية بمستوياتها الشكلية تظل البيانات الأساس للجدل النقدي. تطرح الدراسات الأسلوبية تطرح الصورة المفهومية (للنقد الأسلوبي) في محاولة لتأصيل هذا الاتجاه. ففي دراسته لأسلوب (شلي) الشعري في مرثيته (أدونيس) يقدِّم (تيموثي ر. أوستن) بُعداً تطبيقياً/تنظيرياً لهذا الإجراء النقدي. فالنقد الأسلوبي هو دراسة العلاقة المنكبتة في النص الأدبي بين شكله اللساني وشكله الجمالي الكلي. قد يتوحْدَن التحليل الأسلوبي والتقويم الجمالي بطريقة يسهم فيها الشكل اللساني بذلك التأثير الجمالي الذي يمارسه النص على القارىء. وتحدّد المنظورات الأسلوبية لهذا الاتجاه مكونات ثلاثة: تحليل لساني وبسط الطبيعة الجمالية للنص وفرضية يدعمها نقاش مستفيض، إذ لا بد من علاقة مفترضة بين الشكلين اللساني والجمالي. فالتحليل أو الوصف اللساني يعدّ، هنا، ضرورة لأي بيان مقنع حول الشكل الجمالي وأن يكون متوافقاً معه. فالملاحظات اللسانية ينبغي أن تتوافق والتصور النقدي حول الشبكة اللسانية للنص بمستوياته النحوية والدلالية والصوتية والسياقية. هنا يكمن منزلق الدراسة الأسلوبية التي قد تتحوّل إلى محض ملاحظات عابرة إن هي أخفقت في رصد تلك العلاقة القارة بين التحليل الأسلوبي والحكم النقدي. هنا، لا بد من النظر في الطريقة أو النظرية التي يتبنّاها الناقد الأسلوبي في التحليل اللساني، كذلك النظر في الوسائل الخاصة التي من شأنها تشذيب التحليل، وبعبارة أخرى فصل جوانب اللغة في الشبكة النصية. ومن ثم تأتي الخطوة الأساس التي هي إدماج أو توحدن الشكل اللساني بالتقويم الجمالي الصادر حول ماهية النص الأدبي. غير أن الدرس اللساني يؤكد أن النقد الأسلوبي لا يلتزم نظرية بعينها كإطار للتحليل، إذ بوسع الناقد الأسلوبي أن يتبنّى أية نظرية تمكّنه من تقديم الحقائق اللسانية التي يرغب في مناقشتها.

والمساءلة الآن: ما علاقة الفعل النقدي بالوعي الجمالي؟ وهل (النقدي/الجمالي) هو المختلف المؤتلف؟

نحسب أن الوعي (النقدي/الجمالي) على شيء من التناظر ما دام الوعي نشاطاً إنسانياً متعالياً وأن مقصدية (النقدي/الجمالي) البحث في القيمة الجمالية. فالنقد بوصفه نشاطاً لسانياً منمذجاً يظل دوماً حديثاً عن الاستعارة المجازية، ماهية المتخيل الشعري/السردي/الدرامي، وتقويم مجازية الأبد حيث يشكل التقويم «مركزية النقد». وفي سياق العلاقة بين (النقدي) و(الجمالي) أدخلت فلسفة (كروتشه) الجمالية اللسانيات مدخل الإستطيقا. ففي كتابه (علم الجمال بوصفه علماً للتعبير وللسانيات) في بدايات القرن، يُدرك الجمالي الإيطالي الإستطيقا بوصفها لسانيات عامة تُعنى بالدرجة الأساس بالوسائل التعبيرية حيث اللغة تشكل أنموذجاً لكل أشكال النظم الرمزي الإنساني. وبذلك يسنّ (كروتشه) النظرة العامة لمعظم فلسفات القرن العشرين في الفن حين يستبدل فكرة الجمال بفكرة التعبير أو أنه يماثل الجمال بالتعبير. ولما كان الفعل النقدي فعلاً تعبيرياً بل «نشاطاً إنسانياً ونموذجاً للوعي الإنساني هو في طريقه للتعرف على طبيعة التجربة الإنسانية» ـ كما يقول (هيرنادي) في (ما هو النقد؟)، فإن الإستطيقا بوصفها أحد الأشكال الرئيسة للروح الإنساني تتناظر والنقد بوصفه ماهية لسانية تعبيرية و«شكلاً أدبياً موضوعه الأدب». «إننا عندما نتفحّص قصيدة لكي نحدِّد ما يدفعنا إلى الشعور بأنها قصيدة»، يقول (كروتشه) في علم (الجمال)، «فإننا نعثر في الحال على عنصرين ضروريين ومكرّسين: مركب من الصور وشعور مفعمين بالحياة. والأكثر من هذا، فإن هذين قد يبدوان عنصرين اثنين في التحليل التجريدي الأولي ولكن ليس بالإمكان اعتبارهما خيطين متمايزين، مهما كان انضفارهما، ذلك أنه في التأثير يتحوّل الشعور بكليته إلى صور، إلى هذا المركب من الصور». بهذا السياق، يفترض الفيلسوف الجمالي الوحدة الكلية للأثر المتخيل، وهو ما تدرج عليه استراتيجيات النقد اللسانية.

من هنا يأتي طرحنا لمفهوم (النقدية الجمالية) بوصفها مقاربة نقدية أسلوبية تجعل التأويل النقدي يستند إلى نظريات الجمال. وهي بذلك تدخل مدخل (النقد الأسلوبي) الذي نتبنّاه في دراساتنا النقدية. ولكن ثمة فرق: فإذا كان النقد الأسلوبي يؤكد على وجوب الوصف اللساني والتأويل الجمالي المتراتب أو المتداخل، فإن هذه المقاربة تشدِّد على تبنِّي نظريات الجمال وتأتي في مقدَّمها مقولات الجمال عند (كانط/سانتيانا/كروتشه) وقبل ذلك الفكر الجمالي الأفلاطوني. (النقدية الجمالية) تختلف عن (النقد الجمالي) وهو نقد الفن المبني أساساً على مبادىء الإستطيقا أو علم الجمال. فنحن، هنا، نمارس تحليل لسانيات النص من أجل الكشف عن الجماليات القارة في الشعر النزاري استناداً إلى المقولات الجمالية كما سنرى في التأويل الجمالي للنصية النزارية.

وفي ضوء هذا التصور، وكما سنرى في دراساتنا للأسلوبية النزارية، شرعنا بتبنِّي منظورات حلقة (براغ) اللسانية في (الغائية الرمزية)، وأساسيات النظرية (التوليدية) في (الكون الأزرق)، ومبادىء مدرسة (لندن) أو (الفيرثية الجديدة) في (الأسلوبية النزارية والمونولوغ الدرامي) في التحليل أو الوصف اللساني، فالتحليل اللساني في ضوء نظرية ما يتيح لنا المضي إلى التقويم النقدي ونحن نعي تلك الآصرة المعقودة بين الشكلين.

الصفحات