أنت هنا

قراءة كتاب البردويل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البردويل

البردويل

كتاب " البردويل " ، تأليف عبدالله هلال ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

مع عباس الكوري والبديوي في سهرتهما شبه الدورية، تنهد أحمد شوقاً إلى الجمّارة. وافق عباس على أنها أصبحت مدينة تضاهي المدن، ووافق على جمال عشرة أهلها. حاول البديوي أن يخفف من تلهف أحمد على الجمّارة، ليس لأنه هو أيضاً كان قد غادر قريته منذ سنوات وانتقل إلى الزعفرانة، ولكن جرياً على عادته في الجدال ومحاولة التفرد بطرح رأي مختلف. حاول أحمد أن يختصر الحديث، وأكَّدَ أن لكل مكان خاصية، لكنّ الجمّارة لها أكثر من واحدة، هواؤها، أرضها، حقولها، سكانها، جمال نسائها... تنهّد ثانيةً، إن كانت سعاد هي المعنيّة فهو غير ضامن لاستقرار تذوقه لجمال سعاد، قد يحرمه البردويل من الاستمرار في حياته إذا تصاعد بينهما العراك...!
انفضت السهرة، ورجع أحمد إلى منزله، بعد أن طلب من عباس الكوري أن يرافقه إلى الجمّارة في الغد.
في طريقه إلى بيته تابع أحمد تقليب أفكاره، وأدرك أنّ سبب حنينه الصارخ هذا هو إحساسه المتعاظم بأنه يقترب من لحظة حاسمة. لقد كان يمنّي النفس بالعودة إلى الجمّارة، ولكنّ الأمر يزداد تعقيداً مع مرور الأيام، والغربة عن الجمّارة طالت كثيراً. كان المبرّر الوحيد لبقائه في الزعفرانة هو أن يحسن وضعه المادي ليعود إلى الجمّارة متحصناً بالمال الذي سيلزمه في شجاره مع البردويل، لكنه لم يستطع أن يوفر أي مبلغ حتى الآن، ولا تبدو في الأفق أي علامات على أن الحال سيتغير. هو ليس واثقاً بنتيجة اصطدامه بالبردويل، ويحرص على المال ليس لما قد يلزمه في عراكه معه، ولكن لما قد تحتاج إليه سعاد، في حال دخل السجن قاتلاً له.
سرحَ مع خيالاته، ماذا لو دخل السجن واضطرت سعاد لتولي أمر الإنفاق على نفسها وطفليها؟ قد تضطر للاقتراض، هل يمكن أن تدفعها الحاجة لأن تخطئ؟ أفزعته الفكرة وأثارت غضبه، أكثر الرجال لا يتورعون عن استغلال عوز امرأة، وهو رغم حبه الكبير لسعاد يحمل في أعماقه شكاً كبيراً في النساء، قناعة راسخة أنهن خائنات للعشير، سريعات النسيان لمن يحببن، قليلات الشكر لمن يضحي في سبيلهن. لا يفاوض على رأيه في النساء، كما لا يفاوض على الأرض التي اغتصبها البردويل، لكنه يفاوض ويتمنى سماع تفسير للتناقض بين حبه لسعاد، وكرهه للبردويل وهما شقيقان!
هل هذا التضاد صدفة؟... إذا كان البردويل على درجة مرموقةٍ من السوء، فسعاد لا بد تتقاطع مع شقيقها ببعض صفات الظلم، أو الفساد، أو الخيانة، أو القسوة. بالإضافة إلى ظلمه وفساده وخيانته فالبردويل أيضاً شديد القسوة، يذكر أنه مرّةً ربط حماراً من قدميه وعلَّقه في شجرة التوت. لا يعقل أن يُجسِّد كل هذا القبح، وتكون سعاد خاليةً من كل القبائح، فإذا لم تكن ظالمةً أو قاسية، فلربما هي خائنة..! حتى ولو لم تكن أخت البردويل، لا بد أن فيها عيباً ما، إنها حقيقة الحياة، الكل مخطئ وليس لأحد أن يفتخر، الجميع منقوعون في الخطأ.. الخيانة.. الفساد..! لكنه يتمنى أن تكون سعاد ظالمة، بدلاً من خائنة، فإنه إن سُجن لا يحتمل أن تنتهي إلى حضن رجل آخر.
قفز من دوّامة أفكاره وجه يوسف المحمود، بينهما عداوة وتنافس وحقد غير معلن. بينهما أيضاً ما يشبه الاتفاق الضمني على التعايش مع هذه المشاعر والتظاهر أن علاقتهما طبيعية وإن لم تكن ودية.
كلما أوشك على البدء بتنفيذ قراره، أعاقه الخوف على مصير الولدين وضياع أمهما. يوسف المحمود، الجذاب، الناجح، الثري، لن يتردّد في محاولة التقرب من سعاد، ليس طمعاً بجسدها الفتَّان فحسب بل وبشكل رئيسي وكزاً في خاصرة رجولة زوجها واختراقاً لحدوده. لو غاب أحمد واحتاجت سعاد إلى المعونة فستكون فرصة يوسف الذهبية ولا شك أنه سيستغلها دون تردّد.
البردويل الوغد سبب ما هو فيه، لم يعد يتحمل الصبر على حياته مقيماً في الزعفرانة، بعيداً عن الجمّارة، كما لم يأمن نجاح الإقدام على تحقيق عزمه، فمقارعة البردويل صعبة وغير مضمونة النتائج.
ثم أين ستستقرّ عائلته؟ في الزعفرانة التي لم يستطع أن يطوّر دخله فيها؟ إنّ ما يدخله من مال لا يكاد يكفي نفقات أسرته رغم التقنين، فكيف إن غاب هو واضطرت سعاد لأن تعمل بدلاً منه في تربية الأغنام، لن تستطيع أن تسدّ مكانه وتقوم بكل ما يقوم به وخاصةً السفر إلى الأسواق في المدن والبلدات المجاورة، والنوم عند الأغنام في العراء أحياناً.
وصل إلى منزله وألقى بثقل أفكاره حينما كانت سعاد تستقبله عند المدخل متفحصةً وجهه الحازم وكأنما قد استقر على رأي.
- ما بك... ؟(اشباك أحمد..؟!)
-(بدي روح عالجمّارة بكرة.)
شهقت، استعجلته ليجيب عن تساؤلها، رغم أنها تريد أنْ تسترجع حقها من البردويل، لكنها خائفة من المواجهة، كلما حان وقت البدء تؤجله لأشهر على أمل أن يتدخل المصلحون ويعيدوا إليها أرضها سلمياً. هي تذكر كيف تغلب البردويل على ثلاثة لصوص حاولوا سرقة بقرة أهلها، وهي لا تنسى عندما ضرب القطة بسكين فقطعها نصفين، كانت في منزل والدها هي وشقيقها البردويل وشاهدت بعينيها ساعديه القويين يحركهما قلب من حديد.
حاولت ثنيه عن قراره. رغم أنه لم يقل إنه عازمٌ على مواجهة البردويل لكنها تخشى أن يثور حنقه حين رؤيته للأرض، وهي ملاصقة للطريق الواصل بين الزعفرانة والجمّارة، ويقرر حينها ما لم يقرره الآن. ذكرته بقوة البردويل الذي يعرفها جيداً، أيضاً ذكرته بأن شجاعته لا تسمح له بالهروب إنْ لم تكن الجولة لمصلحته وسيقدم على أي فعل سوى الهزيمة، هي تعرف زوجها وتعرف أنه لن يقبل أن ينهزم أمام أي خصم.
ذكّرته كيف أنّ البردويل ضرب مرةً باب المنزل بقبضته فكسره، لم يحتمل لوم والده له، فأفرغ حنقه بالباب، صمتت وهي تنظر إلى وجه أحمد، لا تريد أن يأخذ البردويل أرضها، ولا تريد أن يقتله زوجها.

الصفحات