أنت هنا

قراءة كتاب معاناة جوليان - ضحية التنصير

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
معاناة جوليان - ضحية التنصير

معاناة جوليان - ضحية التنصير

كتاب " معاناة جوليان - ضحية التنصير " ، تأليف ساعد قويسم ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

ظللت على هذه الحال حتى اليوم الموالي، وأتذكر جيداً أنه كان يومها درس في الفلسفة، وعندما دخل الأستاذ وبدأ في شرح الدرس خرج عن الموضوع قليلاً وأخذ يتحدث عن الفرق بين الديانة المسيحية والإسلام، وقال إن الإسلام هو دين الحب والتسامح فهو يحثنا على الطيبة والإحساس بالغير، هنا قاطعته وقلت له «ماذا يا أستاذ... الإحساس بالغير... وهل تظن أن هذا صحيح.. وليس الإسلام وحده من يدعو إلى هذا، بل أظن أن المسيحية تحث على الإحساس بالغير أكثر من الإسلام...». لقد كان الدمع يملأ عينيّ، فدهش الأستاذ لردي الغاضب، وحتى زملائي في القسم أخذوا ينظرون إلي نظرة المستغرب الحائر والسائل عن سبب دفاعي عن المسيحية ولكنهم لم ينتبهوا لأنني قلت كلمة «الإحساس بالغير» فلو انتبهوا لعلموا أنهم هم أنفسهم لا دين لهم.. وبعد انتهاء الحصة حاول الكل التحدث معي، وقالوا لي كيف تدافع عن المسيحية فثرت يومها وقلت لهم: «أجل أدافع عن المسيحية وحتى عن المسيحيين لأنكم أيها المسلمون لم تشرفوا دينكم ولو لدقيقة واحدة... فهل أنتم مسلمون؟». فقال لي أحدهم: «بالطبع نحن مسلمون، وأنا شخصياً من مطبقي تعاليم هذا الدين ولا أسمح لك بالتكلم عنا بهذه الطريقة».. فلم أرد عليه وشعرت لحظتها بإحساس غريب، وقلت في نفسي هذا من الملتزمين بالدين!! وحتى خطيب رانيا مطبق لتعاليم الإسلام!! وبقيت هذه الأسئلة تدور في نفسي لمدة طويلة.. ومع كل يوم يمر كانت نفسي تلقى بعض الأجوبة لكنها

BLACK» كلب ميشال، وكيف كان يعامله هذا الأخير، وكيف كان قلقاً عندما مرض.. فعلاً كنت كل يوم ألاحظ العديد من الأشياء والأمور والتصرّفات التي تثيرني وتزرع في داخلي أحاسيس غريبة نحو الناس، فكنت أعيش إحساس الكره نحوهم والبغض وكذا الاستغراب وكان يتردد دوماً في داخلي سؤال وهو: «هؤلاء الناس يقومون بهذه التصرفات بالرغم من أنهم ملتزمون ومحافظون؟!! وهل التزامهم يدفعهم إلى القيام بهكذا أشياء»، ولكن كالعادة كنت أتلقى إجابات غير مفهومة..

وفي أحد الأيام كنت ذاهباً برفقة أحد الأقارب في مشوار، وفي الطريق شغل الموسيقى فاستمتعت نوعاً ما بتلك الأغاني، ولكن ما حيرني هو أنه لم يحترم الأذان الذي كان يدعوني ويدعو كل المسلمين لتلبية نداء خالق السماوات والأرض في ستة أيام، فلم أحبذ أبداً ما فعله، فمرة كنت برفقة ميشال وكنا في الوضعية ذاتها لكنه أوقف الموسيقى لما سمع الأذان وقال لي: «يجب أن أحترم دين الآخرين».. فقد أعجبت كثيراً بتصرفه الجد متحضر... فعلاً تصرفات كانت ترسم في داخلي صورة جميلة عن المسيحية والمسيحيين... وفي تلك الأيام كنت أعيش ما يشبه الثورة النفسية، وكنت ضائعاً جداً وفي أعماقي أشعر بانجذاب كبير نحو المسيحيين ونفور شديد من المسلمين؛ وحتى المسلمين الذين كنت معجباً بهم أحياناً أجدهم غير مطبقين لتعاليم الدين الإسلامي، وحتى الصلاة لا يؤدونها بل لا يعرفون أداءها؛ فهؤلاء الناس أجدهم مثلاً يعيرون اهتماماً كبيراً للحيوانات ويصرفون ما لا يصرف الأب على أبنائه، وكنت أحس فيهم أنهم مرغمون على الدين الإسلامي؛ فتصرفاتهم وحياتهم وشخصيتهم أكثر من المسيحيين أنفسهم... وبقيت نفسي الصغيرة تائهة بين أحاسيس غريبة كنت أعيشها يومياً، أحاسيس كانت تدفعني لمقارنة شديدة بين المسلمين الذين أعرفهم وبين ميشال، ولكن كل يوم كان يمر كنت أزداد نفوراً من المسلمين، فكيف لا أهرب منهم وأنا أسمع كل يوم عن ذلك المسلم كيف يغتاب أخاه المسلم وكيف ينعته بأبشع الصفات.. فمرة كنت في الثانوية، ولم ندرس يومها لساعتين كاملتين وبقينا مع بعضنا نتبادل أطراف الحديث، كانت جلسة لا بأس بها ولكن سرعان ما غادر أحد الزملاء الذي كان معنا فبدأ آخر في هتك عرضه، وقال كلاماً تقشعر له الأبدان.. يومها لم أحبذ أبداً ما فعله ذلك الإنسان ونهضت مسرعاً من ذاك المكان وأنا أتذمر وقلت في نفسي، عرفت ميشال لأكثر من شهرين فلم أسمعه يوماً واحداً يتحدث عن مخلوق بالرغم من أنه أجنبي البلد والدين وحتى إذا تحدث بسوء فلم أكن لأندهش وأتذمر كسماعي لمسلم يأكل لحم أخيه المسلم.. وما كان يحيرني هو أن الإسلام ينهى عن كل هذا، وعندما أقول لهم إن الإسلام ينبذ ما تفعلون، يقولون لي «إنهم يعرفون الدين جيداً وإنهم من مطبقي تعاليمه وهذا ما كان يدخلني في دوامة الحيرة والاستغراب التي لم أجد لها مخرجاً، وكيف السبيل إلى الخروج وأنا أعيش بعد هذه الحادثة الغريبة حادثة أغرب منها وأقسى بكثير خصوصاً تلك التجربة التي مرت بها إحدى القريبات بل تلك الخيانة التي تعرضت لها من طرف أعز صديقاتها حيث قامت بفعل أقل ما يقال عنه إنه شنيع حين اتصلت بخطيب قريبتي وقالت له إنها ستمر إلى محل المجوهرات الذي يملكه لأنها تريد شراء خاتماً، وبعدها عاودت الاتصال به وقالت له: «أنا قريبة نوعاً ما من المحل ولا أستطيع أن آتي إليك لأن سيارتي تعطلت فهل تستطيع أن تأتي لمساعدتي...»، فلم يتردد هذا الأخير فذهب لمساعدتها فوجد السيارة لكنه وجد فتاة أخرى، وبينما هو يتحدث إليها كانت صديقة قريبتي تأخذ صوراً لهما وذهبت مسرعة إلى قريبتي وأعطتها الصور، وهذه الأخيرة لم تتحمل ما رأته وأقامت الدنيا ولم تقعدها وكادت تنتهي العلاقة بينها وبين من أحبته واختارته شريكاً لحياتها؛ فهذا المشكل عندما عشته مع قريبتي أحسست أني أريد قتل هذه الإنسانة التي فعلت هذا.. عندها زرع في داخلي شعور غريب مليء بالحقد والضغينة تجاهها خاصة عندما علمت أن هذه الصديقة كانت من الملتزمات المتحجبات، ولكن ما فجرني وجعلني أنطق هو حادثة أخرى لكن أحداثها لم أعشها كسابقتها بل حكاية سمعتها من عجوز لا أعرفها جلست بجانبي في الحافلة، وكانت تبدو حزينة وعيناها تعبران عن قهر كبير تعيشه، وعندما سألتها عن سبب اكتئابها أجابتني إنها سوف تطرد من منزلها الذي اشتراه زوجها قبل وفاته، والظاهر أنه دفع ثمنه ولكنه لم يكمل إجراءات الشراء من أوراق وغير ذلك قبل أن يموت، فاستغل صاحب المنزل الفرصة الذهبية بالنسبة إلى عقله الصغير وأراد طردها من بيتها.

وما فجرني كما سبق وذكرت عندما قالت لي إنه «حاج» ووقف أمام بيت الله وصلى في المسجد النبوي... هنا أحسست بأجوبة واضحة كانت تتلقاها نفسي وفهمتها أنا جيداً، فهمت أن المسلمين طبعهم الغدر والخيانة، وفهمت أن كل مطبقي تعاليم الدين الإسلامي أناس أشبه بالوحوش، وكيف لا يسعني وصفهم بهذه الصفة وخطيب رانيا الذي كان سبباً في وفاتها، كان من أشد الناس حرصاً على تطبيق تعاليم الدين الإسلامي، وهذا الحاج الذي يعرف جيداً الدين الإسلامي هو اليوم يطرد امرأة عاجزة من بيتها مستغلاً ضعفها... شعرت يومها بثورة غريبة في وجداني، ثورة أجابت عن كل الأسئلة التي كانت ترسم في رأسي، ووضحت لي كل الأجوبة التي لم أفهمها يوماً واحداً. لقد فهمت جيداً لما تخلى عني أصدقائي في أصعب حالاتي وتركوني أتعذب لوحدي، فهمت أن إسلامهم هو سبب ذلك، وفهمت أيضاً أن مسيحية ميشال هي من كانت تدفعه للوقوف إلى جنبي ومواساتي ومحاولته زرع الفرحة في فؤادي المحطم، وفي هذه الفترة كنت محطماً وأيامي قررت أن تلبس اللون الأسود فكنت أعيش مرحلة صعبة جدا،ً ولم أكن أدرك ما تريده نفسي، وبقيت على درب الضياع إلى أن اتصل بي مرة صديقي المقرب ميشال وكم فرحت بل عشت غبطة لا مثيل لها عندما علمت أنه سيعود إلى الجزائر في اليوم الموالي وقضيت ليلة بيضاء، وكان الوقت لا يمر وعند شروق الشمس حضرت نفسي وذهبت إلى المطار انتظرت يومها كثيراً، لأن الطائرة التي أتى فيها ميشال وصلت متأخرة...

الصفحات