أنت هنا

قراءة كتاب الحرب النفسية - قراءات في إستراتيجيات حزب الله

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الحرب النفسية - قراءات في إستراتيجيات حزب الله

الحرب النفسية - قراءات في إستراتيجيات حزب الله

كتاب " الحرب النفسية - قراءات في إستراتيجيات حزب الله " ، تأليف د. يوسف نصر الله ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
4.5
Average: 4.5 (2 votes)
الصفحة رقم: 1

مقدمة

لعل مباحث ومتوناً وقراءات ونسوجاً عديدة ومتنوعة قاربت بالنقد والتحليل والتعليل والاستقراء موضوعة الحرب النفسية، وأعملت فيها معاول الحفر والتنقيب والتحرّي والكشف والبحث، ووقفت على اهتماماتها ومقاصدها وأغراضها وغاياتها، كما على مكامن خطرها ووجوه سطوتها وحضورها، واستحضرت لهذه الغاية تجارب تاريخية، واستدلت بوقائع وشواهد وبراهين وأدلة. وهي- لا شك- دراسات وازنة، وذات قيمة علمية ومعرفية محترمة، وغاية في الأهمية والإلحاح. إلا أنها على فضيلتها وجديتها واتزانها، وما انطوت عليه من كشوف وفتوح، وما راكمته من حقائق على غير صعيد ذي صلة، ظلت تعاني قصوراً حاداً في مقارباتها الفاحصة، وعلى نحو يحول دون الإحاطة الشاملة بظروف تخلق هذا الوليد من الحروب، كما بسيرورة اكتماله وتنضجه، وبعموم مكوناته المؤسّسة، وروافعه، وحوامله، وفواعله؛ فقد وقع بعضها في الاختزال والتبسيط والتسطيح، وقصر بعضها عن بيان جملة المركبات التي تنظم عمل هذه الحرب، كما بيان تمثلاتها وتجلياتها وترجماتها المختلفة، حيث صير إلى الاكتفاء بنشر إضاءة حول جوانب دون أخرى، وبالإلماع إلى فاعل دون سواه. وعانى بعضها الآخر أزمة بلحاظ وضوح المفاهيم والمعاني حيث سُجّل اختلاطها وتداخل الحدود والفروق بين هذه وتلك، وبنحو يُودي بالمتلقي إلى متاهات من التشرذم والبلبلة والتشوّش والتيه. في حين أنّ مقاربات ودراسات أخرى كان يعوزها الاستدلال المكين، والتوظيف السليم للمصطلحات، وتبيئتها، وإفراغ حمولاتها واسقاطاتها بنحو موجب وخلاق.

والحال هذه، كان لهذه الدراسة أن تتصادى لمقاربة من طبيعة مفارقة، تحرص على الشمول والإحاطة بكل ما للحرب النفسية من أساليب وطرائق وفنون وأواليات عمل وأهداف وغايات، بمقدار حرصها وإلحاحها على التعمّق الجادّ في المفاهيم والمصطلحات ذات الصلة، وبيان الفروق بينها، وحسن استخدامها وتوظيفها وتفعيل حضورها، والعمل بها، من خلال الاستدلال بالوقائع والتجارب الحسية، وبالترجمات والبراهين والشواهد الحية، لغرض اخراجها من إطارها النظري، ومن مثاليتها المتعالية، والإلقاء بها عارية في خضم المعاينة والفحص والاختبار.

لكنّ المعاينة العلمية الفاحصة التي تقصّدناها وأردناها هنا، لا يمكن لها أن تستقيم بإطلاق على نحو وازن، دونما تخفيضٍ لمستوى التوتر الفكري والانفعالي المصاحب- في العادة- لمثل هذه المقاربات، بحيث يصار إلى سوقها بعيداً من الصياغات الحماسية والشعاراتية والانفعالية، وإلى تجنيبها كلّ أشكال الارتجال، وكلّ ما هو لحظي وظرفي عابر، ويساعد- بالتالي- على توفير قدر أكبر من الحيادية والموضوعية، ويجعل المشهدية المقدمة بنحو أقرب ما يكون من الحقيقة، وأكثر تجسيدا للواقع القائم.

أمّا لماذا الحرب النفسية؟.

لا شكّ أنّ التقدّم الكبير في دنيا العلوم، والتطوّر الهائل في تكنولوجيا المعلومات، وفي وسائط الإعلام والاتصال، فضلاً عن تطوّر أساليب التحليل النفسي، أسهم على نحو فاعل في تعظيم مكانة الحرب النفسية، وشأنيتها وخطرها؛ بحيث أصبح من غير اليسير على أيّة جهة توفير القدرة الحمائية لنفسها، أو تحقيق الحصانة والمناعة الداخلية لديها، أو خوض غمار النزاعات والحروب، دونما الاستعانة والاستنجاد بها.

فبعد أن ساد الاعتقاد طويلاً بهامشية الدور الذي تضطلع به الحرب النفسية: لا تحسم حروباً، ولا تعدو وصفها عنصراً ثانوياً مكمّلاً من عناصر العملية الحربية، أي ليست غير أداة إضافية في جعبة القيادة العسكرية... وسوى ذلك من مقولات تبهّت حضورها، وتبخّس من قيمتها، وتقلل من فعاليتها؛ قيّض لها أن تشكل أداة النصر الفاعلة والصالحة، وأدرجت عملياتها بالتوازي إلى جانب القوات البرية والبحرية والجوية لتشكل مجتمعة «قوى الدولة الشاملة»، بل إنّها اكتسبت أهمية خارج أطر الصراعات العسكرية المباشرة، بحيث طاولت صعد الحياة العصرية، ما جعلها من أخطر أنواع الحروب الموجهة ضد الكائن البشري، لقدرتها على النيل من عقله ووعيه وذاكرته، واستطراداً لقدرتها على سوقه وقوده والأخذ به نحو الاستلاب والهزيمة. والأخطر أنّها لم تكتف بإعمال التأثير في السلوك الاجتماعي للفرد أو للجماعة فحسب، وهذا ما منحها قيمة مضافة، بل وسّعت مدار استهدافاتها لغرض التأثير في سلوك الدول، وإحداث تغييرات وتحوّلات في مواقفها وتصوّراتها.

هذا التطور الملحوظ الذي استجد على غير صعيد، وحفر بصماته عميقاً في موضوعة الحرب النفسية، أشّر ليس إلى خطرها وحسب، بوصفها أداة فاعلة في النزاعات والمواجهات البشرية القائمة، بل إلى تسيّدها وهيمنتها وحضورها وسطوتها على كلّ الصعد، وفي غير مجال من مجالات الحياة. وأذن بتحوّلها إلى ركن ركين في عقائد الجيوش، وفي منظومات الدول والأمم الدفاعية والهجومية والحربية، كما أذن بتحوّلها إلى علم قائم بذاته، له فنون ومتون ونظريات وضروب وتخصّصات، ويحظى بالعناية والرعاية والاهتمام والتدريس، وتقام باسمه الندوات والمؤتمرات والورش التأهيلية... ما ولد لدينا فضولاً معرفياً محرضاً ودافعاً على إجراء مقاربة علمية تظهر ما لهذه الحرب وما عليها، وتكشف حجم الاستباحة التي لطالما أعملها الآخر المستعمر في عقولنا وذاكرتنا وأفكارنا ووعينا.

ولماذا ـ في موازاة ذلك ـ القراءة في إستراتيجيات حزب الله؟.

الحق يقال، إنّ حزب الله صنع انتصارات عزيزة، وميمونة، وغير مسبوقة في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي. وكان للحرب النفسية- التي برع فيها الحزب، وأجاد توظيفها وتثميرها وتفعيلها، وحسن ادارتها، وسُجّل له غير مرة فتوحات عظيمة على هذا الصعيد- فضيلة صياغة سيرورات اكتمال هذه الانتصارات، كما فضيلة تعزيزها وصيانتها، ذلك أنّ حزب الله في سياق ممارسته لهذه الحرب لم يقف في قبالة الإسرائيلي موقفاً تنافسياً أو ندياً وحسب، وانما كان له في صولات وجولات عديدة اليد الطولى وعظيم الباع وجميل الصنيع، وأنّ إستراتيجياته ومناوراته وتكتيكاته ذات الصلة قد نجحت، وأربكت العدو فعلاً، وأضرّت بوعيه، وحملته إلى إعادة نظر في أوضاعه ومستقبل وجوده، بعدما أحيت من جديد هواجس البقاء لديه ... ما ولد دافعية الإضاءة على مظاهر هذا الاقتدار وفواعله، وعلى أسباب هذه القوة، ونتائج ما صير إليه من فتح ونصر. علنا نسهم في معركة تنشيط الوعي العربي والإسلامي بحقيقة ما لديه من قدرات وإمكانات وطاقات، كما بتثويره، وتحفيزه، وعتقه من إسار الشعور بالتصاغر والدونية أمام الآخر المحتل والمعتدي والمستعمر بمعناه الكولونيالي.

والحال هذه، اتخذ الكتاب من عنوان «الحرب النفسية: قراءة في إستراتيجيات حزب الله»، لافتة المسار والوجهة، ودليل السفر والبرهان، والمظلة البحثية التي أرخت بأثقالها وأحمالها، لتظلل كل مساحات اشتغالاته، وتوضعاته، واهتماماته، وعنايته: تشفف المقاصد، وتثير الإشكاليات، تعاين الوقائع والأحداث، ترصد وتقارن، وتزن، وتتحرى، وتطلق الأسئلة القلقة، كما المعادلات والأحكام، في رحاب الفضاء البحثي المفتوح على غير صعيد، ما يلحّ على انطراح غير سؤال وسؤال: علام استقام متن الكتاب؟. وإلامَ نزع؟. وماذا توسل من أهداف وغايات؟. ووفق أيّة بنائية استوت هيكليته ومشهديته العامة؟.

الصفحات