أنت هنا

قراءة كتاب الولد المقاتل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الولد المقاتل

الولد المقاتل

كتاب " الولد المقاتل " ، تأليف مزين عسيران ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

المقدمة

«الولد المقاتل»، هو صورة تعكس خصائص عصرنا، حيث يقدّر عدد الأولاد المقاتلين اليوم بـ300 ألف ولد وفقاً لمنظّمة اليونيسف. وهذا الانفجار يعود بوضوح إلى تكاثر الحروب الأهليّة؛ فبوسعنا أن نُحصيَ حاليّاً ثلاثين حرباً، بعضها ما زال مستمرّاً منذ أمد طويل. وهذه النزاعات المنسيّة أحياناً هي على الدوام دامية ولا نهاية لها.

إنَّ تجنيد المقاتلين الأولاد ليس ظاهرة محدودة بحروب العالم الثالث أو في المناطق المعروفة بأنّها مناطق «متوحشة»، لأنَّ هذا التجنيد يحدث حتماً هناك وحيثما تجتمع عناصره، أيّاً كان البلد. فالحرب في كوسوفو وفي الدول الأوروبيّة دامت ـ على أكثر تقدير ـ عاماً ونصف العام، ومع ذلك فإنّنا شهدنا ارتفاعاً في وجود الأولاد المقاتلين في صفوف جيش تحرير كوسوفو UK فماذا لو أنّ النزاع قد تأبّدَ؟

تفسّر هذه الظاهرة جزئيّاً بطبيعة النزاعات «الحديثة». بالفعل، ومنذ زمن بعيد، تدور الحرب بصورة أساسيّة بين الجيوش وتُوقع القليل من الضحايا بين المدنيين. فالحرب بين عامي 1914 و1918 كانت مُرعبة في ظلّ وجود شباب مُضَحّى بهم، لكنّها كانت حرب جيش ضد جيش، وخاضعة إلى «سلطة الأب». وقد قدِّر عدد الضحايا المدنيين بـ5% كحدّ أقصى. أمّا الحرب العالميّة الثانيّة فقد كانت مخيفة، بخاصّة في نهايتها، في مرحلة القصف العنيف: لقد كان 45% من الضحايا مدنيين، بين قتلى وجرحى ومُهجَّرين. ومع ذلك بلغ هذا العدد في السنوات العشرالأخيرة، عتبة الـ90% (1). هذا التزايد الدراماتيكي يعود في الواقع إلى أنّ النزاعات المسلّحة أخذت أكثر فأكثر شكل الاضطرابات المدنيّة المُعَمّمة، حيث الصراع لم يكن فقط بين تشكيلات عسكريّة (جيوش /حروب عصابات/متمرّدون/ميليشيات)، لكن أيضاً صراعات بين تشكيلات اثنيّة ودينيّة، وسكانية من خلال حروب شوارع أو حروب قرية ضدّ أخرى. كذلك فإنَّ العنف في استخدام الوسائل المتنوعة لم يعرف حدوداً البتّة: عمليّات اغتصاب، اعتماد سياسة الأرض المحروقة وتسميم الآبار وصولاً إلى التطهير الاثني وإلى الإبادات الجماعيّة. في ظلّ هذه الفوضى الاجتماعية والسياسية التي نجمت عن كلّ ذلك (والتي من الممكن أن تستمرّ عشرات السنين) ما من أحدٍ عاد وكلّف نفسه عناء مراعاة القواعد الدوليّة للحرب التي نصت عليها معاهدة جنيف ومعاهدة حماية حقوق الطفل لأنه، في مثل هذه المجتمعات المجزّأة، ننسى جميعاً أبسط مبادئ الحرب، بقوانينها ومحظوراتها وأماكنها المقدّسة.

يبقى الأولاد وبنادقهم... حيث قَلَبَ الأولاد المقاتلون اللعبة اعتماداً على ما تخوِّلهم البندقية من سلطة: فتحوّلوا من ضحايا إلى جلّادين وأثبتوا «وحشيّتهم» بقتل أقارب وأصدقاء وجيران وأساتذة ومواطنين.

لكن ما شأن الأولاد في حروب الراشدين؟

إنّهم يَسعون قبل كلّ شيء لتدعيم الجماعات المسلحة التي تعوزها سواعد مقاتلة، جرّاء ارتفاع عدد القتلى في صفوفها أو جرّاء انسحاب المتقاتلين الخائبين سياسيّاً. ويُصبح حينها مُلحّاً تجديد العديد ورصّ الصفوف واستدعاء الأولاد، هؤلاء الأدوات المطواعة والليّنة العريكة. وغالباً ما يُجَنَّدُون بداية في وظائف ثانوية (طهاة، حمّالون، حجّاب، إلخ). ويصبحون بسرعة فائقة أدوات سهلة الانقياد لا تطرح أسئلة وتفعل ما يطلبه منها رؤساؤها. وغالباً ما يَتطوّعون بأنفسهم، رغبة في التخلّص من الخواء الاجتماعي والسياسي الذي يحيط بهم أو هرباً من الجوع. وسواء جُنّدوا داخل القوى الحكوميّة أم داخل المجموعات المسلّحة المعارضة، فبالإمكان أن يُدفعوا إلى المعركة في كلّ لحظة. والفارق هنا يتمثل في أن «الفتى المجنّد» والذي هو عضو في القوى الحكوميّة المسلّحة منظّم ومضبوط بفعل النّظام والقانون اللّذين هما رهينة شخص واحد ألا وهو «الرئيس». هذا الأخير يمثّل الأب الرمزي لهرمية الدولة حيث يكمن دوره في إخراج الكراهية كموضوع سيئ من المجتمع وتصويبه نحو العدوّ. فحماية البلاد هي نضال مشروع وفعل القتل مشروع بموجب حقّ الدفاع عن القيم. إنّ العلاقات الاجتماعية مُوطَّدة عبر الحبّ، والإخاء والتّضحية، لكن في الحرب الأهليّة، فالسياق معكوس: موضوع الكراهية ينتقل إلى داخل المجموعة بواسطة رؤساء الميليشيات، ويتمّ توظيفه داخل الشبكة الاجتماعيّة. إنَّ كلّ مواطن يُمكن أن يُصبح العدوّ اللدود للآخر، الأمر الذي يخلق مناخاً من العنف والريبة المُعمّمة، ويُلقى الولد المقاتل في هذا الجحيم حيث السيادة لصراع الإخوة وحده.

وحينما يسعى أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 15 ـ 16 سنة إلى أن يعترضوا، فإنّ الرؤساء يفرضون عليهم قواعد عسكريّة تخدم مصالحهم البديهيّة. فقاعدة «نفّذ ثمّ اعترض» تستخدم بصورة تعسّفية في صفوف الأولاد المقاتلين. لكن، كما قال أحد الأولاد المُقاتلين ـ السابق ـ «نستنتج بعد حين أنّ الوقت أصبح متأخّراً للاعتراض وما حصل قد حصل».

فكما يشهد عليه لفظ «الرَّجّالة» (أو infanterie بالفرنسية) الذي يعني اليوم «الجيش الرّاجل» أي المشاة، شارك الأولاد في الحملات العسكريّة منذ وقت طويل. لقد كانوا يُستخدمون نوتيين على متن السفن الحربيّة أو كقارعي طبول في ساحات الوغى. وفي كلّ مرّة كان السلاح ثقيلاً جدّاً عليهم فلم يحملوه إلّا نادراً. لقد سهُل إلى حدٍّ بعيد استخدامهم كمقاتلين، في أيّامنا هذه، من خلال ظهور السلاح الخفيف في السوق وبثمن زهيد: فهو يعادل قيمة دجاجة في أوغندا، وعنزة في شمال كينيا، وإذا كان تعقيد استخدامها جعلها سابقاً محصورة بالراشدين، فهي اليوم في متناول الأولاد الصغار.

إنّ غالبية هؤلاء هم ممن يتناولون المخدّرات، ولقد درّبوا على فنون التعذيب وعلى بتر الأعضاء والقتل؛ إنهم أولاد تراوحت أعمارهم في الغالب بين 10 و15 سنة، وهم أكثر المقاتلين وحشيّة. لقد أرعب هؤلاء المراهقون كلّ العالم مع شيوع الحواجز في لبنان وسيريلانكا وزائير وإيران وسيراليون وغيرها.

لقد كانوا جميعاً بالهيئة نفسها: وجوه أولاد ونَظَرَات قتلة، مُعتادون على الجبهات، متوترون، الإِصبع على الزناد - وغالباً ما يكونون مُخدّرين بمادّة الانفيتامين أو الحشيش أو الكحول أو الكوكايين، وأحياناً يتناولون كلّ هذه الأشياء في آن. هم لا يلعبون أدواراً في الحرب، إنهم الحرب نفسها. ينتقلون من مقاتلين صغار فيصبحون كومندوس، يعرفون كيف يُلغّمون أرضاً ويذبحون خفيراً. في سن الـ 14 عاماً، يُعَدّون مقاتلين قدامى. الجسد مثقل بالندوب والنفس أشلاء. لقد حطمتهم التي اسـتخدمتهم باستغلال دوافعهم الخاصّة وسعيهم البلوغي ـ زمن الصدمة الجنسيّة بامتياز ـ ودفعتهم إلى حافة الهاوية، حيث يصبح الموت أمراً حتمياً.

الصفحات