أنت هنا

قراءة كتاب محمد الصدر - كفاح الجماهير

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
محمد الصدر - كفاح الجماهير

محمد الصدر - كفاح الجماهير

كتاب " محمد الصدر - كفاح الجماهير " ، تأليف عبد اللطيف الحرز ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 1

تمهيد

الاتهام، الإبهام، الإيهام، الإلهام

1 ـ هموم النقد والواجب الوطني..سياقات التلقي بين البرهان والسلطان

لا يزال الواقع العراقي برمته يشكل مأزقاً للمتابعة السياسية وصعوبة في التطبيقات على صعيد النظريات التحليلية. كذلك فإنّ السّمات التي تميّز الوضع العام تتجلّى وتتضاعف أكثر فأكثر في الوضع الخاص والذي يمثل التيار الصدري إحدى شعابه وتفرعاته. وبناءً على ذلك يرى أنّ ثمة تحدياً كبيراً أمام المنظرين الأجانب، وهو مبرّر، بعدم وضوح النص الثقافي العراقي وأقنعته السياسية وبالعكس، الأمر الذي يوجب الوقوع في تناقضات مريرة عند الدخول في غابة التفاصيل وفض سياقات هذا الإبهام؛ ثم تتكاثر الأخطاء وتتضاعف حينما يُعتمد كل ذلك كمرجع لقراءة مسارات الوعي في المجتمع العراقي أو المشرقي عموماً، في الوقت الذي تتناسل فيه كتابات المحللين المحليين، من دون وقفة تأمل بانعدام العمق اللازم للتحليل، وما يتبع ذلك من رؤى وأطروحات بدت سطحية على هذا الصعيد، والتي جاءت التغييرات العراقية لتثبت خطأ تلك التحليلات التي اختزلت تنامي الحركات الدينية بأنها محض امتصاص للخيبات الاجتماعية والاقتصادية لا غير، حيث بدت، أي هذه التحليلات وكأنها كُتبت عن واقع ومجتمع آخر لا علاقة له بها. وهكذا بدل أن تعمل تلك التغييرات على نشر تلك التحليلات والتنظيرات وإشاعتها فقد قامت التغييرات بتشييعها، فلا نلبث أن نقرأ قولاً إلّا ونراه يلتقي وبسرعة بسالف صحبه من أقوال وتحليلات مشابهة في اللحد المشترك لمقبرة الأخطاء!

فالتغيير الذي حدث بعد التاسع من نيسان 2003 استتبع تغييراً في البناء الاجتماعي نفسه، تغييراً لم يمسّ الجوهر العام ككل لكنه غيّر من ترتيب العناصر فيه. فثمة عناصر كانت مسحوقة تحولت إلى عناصر مهيمنة، وثمة عناصر مهمشة تحولت إلى تكتلات ضغط وبعضها تحوّل إلى قلب مركز القرار. وهذا التغيير في البناء الاجتماعي للقوى المهيمنة والقوى المهمشة، يحصل عادة بسبب منظومتين من العوامل: ضعف البناء الداخلي لإيديولوجيا التحرك، والاختراقات من قبل الخصوم والمنافسين، وأيضاً بسبب العمل المنظم والمخطط للجماعات الاجتماعية المعارضة والممتنعة، والأفراد المعارضين وتيارات الممانعة، حيث إن مثل هذه الجماعات والأفراد يمكن أن تكون لها دوافع سياسية لمعارضة نظام الحكم الجديد وخريطة العمل المفروضة، وغالباً ما تبرز في سياق النضال الذي فجّرت أسبابه مركزية السلطة الحاكمة وشمولية نظامها، الذي يكون له في العادة مخصصات معينة وامتيازات محدّدة لفئات دون أخرى بحسب موقع كل فئة من فئات القوى الجديدة الراضية عن الوضع الجديد بما يتلاءم وسد احتياجاتها وإثراء أطماعها؛ كما يمكن أن يكون لهؤلاء دوافع أخلاقية تكون أبعد مدى وأكثر تأثيراً من الدوافع المنفعية والمصلحة الطبقية، مثل الذاكرة المذهبية أو الاستجابة لرموز وإيحاءات قومية ومناطقية وسرديات تاريخية.

إنَّ درجة التماسك أو الانفراد داخل أي تشكيل اجتماعي يعتبر علامة أولية مقررة لقدرته أو عدمها على العمل الجماعي التضامني، وإنَّ إمكانية نجاح تيارات الممانعة يعتمد عادة على استعداد الجماعات المختلفة المعارضة داخل هذه التشكيلات الاجتماعية وقدرتها على التحالف والتآزر؛ في حين أن الأطراف العراقية حرصت أشد الحرص على بيان اختلافاتها والإصرار على عناصر تفارقها، وهو أمر ينقض جملة القواعد المدرسية في علم الاجتماع السياسي، ويفضي إلى إعادة النظر بالشأن العراقي من زاوية نظر مختلفة تغاير بديهيات تلك المقررات التحليلية، التي يمكن بواسطتها، ليس تحقيق قراءة ناجحة للمتغيرات والحوادث، وإنما أيضاً إيجاد صيغة عمل تضامني يعيد تنسيق كل مجموعة وحزب داخل عناصرها، كما تكون له القدرة على صياغة منظومة تكافلية بين التيارات والأحزاب المختلفة، يخرجها من تكرار سياسة الباب المسدود والطرق المغلقة والمُلغّمة، ويضمن للجميع تحقيق مصالح طبقية وسكينة مرضية للذاكرة الثقافية والقومية والدينية؛ وهو أمر لا يزال بعيداً كونه يتطلب الاعتراف بحقيقة النتائج المؤلمة التي حصلت والعودة، من ثم، إلى الأسباب ومحاولة كسر السياقات المهيمنة، ونزعاً نهائياً لألبسة الاصطفاف والتجنيد والتخندق. وهذا أمر لا يزال غير ممكن الحدوث نظراً لاختلاف المرجعيات بين الدولة وحلفائها وبين الطبقات الاجتماعية وموروثها الشعبي، وبين تيارات الممانعة المختلفة عن الجهتين معاً. لذا فكل حلف وإعادة علاقة ومقاربة بين هذه الأطراف سرعان ما يدبّ فيه التفسخ لأنه لا استمرار للعلاقات القائمة على القهر؛ إذ كيف تتحقق العلاقة بين أحزاب تبتغي الانفراد في السلطة السياسية ولا يهمها الشكل الحقيقي للدولة (كما دلت على ذلك المناقشات عام 2008 التي دارت حول الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة)، ومفارقات التطبيق والتأويل عام 2009. وبين طبقات تحرص على الإبقاء على ثرائها وتقاليدها وامتيازاتها الموروثة، وبين تيارات همها الأصالة الثقافية؛ فما الذي يمكن أن يجمع هذه الأطراف خصوصاً أن تحقيق إيديولوجيا عراقية، لا يزال فكرة غائبة؟!

الصفحات