أنت هنا

قراءة كتاب نساء في مهب الحب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نساء في مهب الحب

نساء في مهب الحب

كتاب " نساء في مهب الحب " ، تأليف غيداء طالب ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ووما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

والأذن تعشق أحياناً

هكذا بدأت قصتها معه ذات مساء... بكبسة زرٍ على حاسوبها، و«like» أسفل جملةٍ له في صفحة إحدى قريباتها على الـ «facebook». لفتها يومئذ تعليقه الساخر، وراقتها لغته العربية التي باتت غريبةً عنها منذ زمنٍ بعيد. لوهلةٍ أولى، بدا لها خبيراً بطباع النساء ومكرهن. ومع أن تعليقاته لم تنمَّ عن أي حسٍّ رومنسي قد يستهوي الجنس اللطيف، إلا أنها استشعرت في كلامه دفئاً خاصاً، ورقياً عالي النبرة...

هو... سليل الاغتراب بلا منازع. تناقلته مقاعد الطائرات طويلاً، ورمت به من بلدٍ إلى بلد. صارعته الحياة فصارعها، وعجنته بين يديها بقسوة، فاحتال عليها حد المساكنة...

وهي ابنة المنفى... ولدت من رحمٍ معارضة حتى النخاع، فقذفتها رياح السياسات العربية مع عائلتها على شواطئ أوروبيةٍ باردة الرمال، وسط زوبعةٍ من الأحكام الاستبدادية، والنفي العشوائي الجائر. وهناك، في صقيع الغربة، راحت ترسم كل يومٍ شمس بلادها بألوان لا عدّ لها ولا حصر. تنثرها دفئاً هنا، وتزرعها قمحاً هناك، ثم تجلس بمحاذاتها، تستظل بفيئها مرةً، وتمتلئ بها مطراً مرةً أخرى. ولكن المؤسف أنها عندما كانت تفتح عينيها، لم تكن ترى أمامها سوى جدران غرفتها، وبعض ألوانٍ زيتيةٍ بعثرتها ريشتها على مساحةٍ بيضاء باردة، برودة الثلج المكوَّم على أطراف الطرقات...

في اليوم التالي، جلست تطالع صفحتها على الـ«facebook» كالمعتاد، ففوجئت باسمه، وبالخط العريض، يطلب ضمها إلى قائمة أصدقائه. اعتبرتها مكافأةً لها على إعجابها برأيه بالأمس، إلا أنها شعرت بإحساسٍ غريبٍ يداعب قلبها. بسرعة، وبدون أي تفكير، راحت إصبعها تضغط على زر «confirm» وتوافق موافقةً شديدة اللهجة.

وانطلقت منذ ذلك الحين رحلة تقصِّيها عن حسبه ونسبه وأصدقاءه ومعارفه وكل من يمت إليه بصلة، حتى آخر اسمٍ في قائمته... فتشت فوراً في مجموعة الصور لديه عن كل جديده، وكل قديمه، ووجدت نفسها أمام صورةٍ حديثةٍ له في العمل. راحت تحدق ملياً إلى تفاصيل وجهه، وإلى خطوط جبينه وغمازتيه. كان وسيماً جداً، يفيض شباباً وحيوية. توقفت طويلاً عند لون عينيه. كان فيهما إغراءٌ عجيب... بريقٌ يلمع فوق مساحةٍ قاتمة السواد، لم تر في حياتها مثيلاً لها... كان سواد عينيه أشبه بليلٍ مقمرٍ من ألف ليلةٍ وليلة، صافياً ودافئاً دفء الربيع في أحراش بلادها...

لم تفهم سر انجذابها السريع إلى وجهٍ لم تصادفه يوماً حتى في أحلامها، على الرغم من أنها تشعر في أعماقها أنها التقته في عالمٍ ما، وفي لحظةٍ ما، وأنها حتماً تعرف الكثير عن عينيه...

كانت البداية الكترونيةً مئة في المئة، بعيدةً عن كل أنواع العواطف وصفاتها وفئاتها ولكن... من قال إن التكنولوجيا الحديثة عاجزةٌ عن قلب المقاييس وضخ العواطف في عمق الآلات الباردة، فحتى لوحة مفاتيح الحاسوب كانت تستشعر نبض قلبها عندما كانت تكتب له، فتميل الحروف طوع يديها وتتسابق الكلمات اليه.

في البدء، كانت تتأنى كثيراً في اختيار تعليقاتها، وصوغ جملها على صفحته أو تحت صوره. ثم شيئاً فشيئاً، بدأت تتخلص من جديتها معه، ومن تلك الهالة التي أحاطت نفسها بها، خصوصاً وأنه كان يتمتع بحسّ فكاهيّ على درجةٍ رفيعة، وسرعة بديهةٍ جذابةٍ إلى أقصى الحدود.

لطالما سألت نفسها عن طبيعة إحساسه بها، وعن مدى لهفته لقراءة تعليقاتها. تساءلت كثيراً إن كان فكّر مرةً في مشاهدة صورها مثلاً، أو صور لوحاتها؟ وفي أي زاويةٍ من زوايا قلبه تراه أدرج حروف اسمها؟ في زاوية الأصدقاء، أم المعجبات، أم عابري الوقت الضائع؟

لطالما عاتبت قلبها على مدِّه العاطفي الذي لا جزر له. وعلى حبّ أحادي الأطراف، فكيف السبيل لمدِّه بطرفٍ آخر، كيما يتوازن ويستقيم وجوده؟

ربما كانت سعيدةً بصداقته المفاجئة، بصراحته، بتلقائيته وثقافته، ولكنها كانت تبحث معه عن شعورٍ آخر، وعن حنينٍ مختلف.

استفاقت ذات صباحٍ على أحلى معايدةٍ تلقتها في حياتها. كان يتمنى لها بالفرنسية صباحاتٍ يملؤها الدفء، وأياماً تفيض نوراً وحبوراً... كان بريدها الإلكتروني يغص يومئذ بالعبارات الجميلة والتمنيات بالعمر المديد في ذكرى ميلادها، إلا أنها استشفت في جملته المقتضبة تلك، صدقاً لا يمت إلى المجاملات بأي صلة. لم تنتظر طويلاً، وبعقلٍ أوروبي يستثمر الوقت ويقدسه، ردت عليه سريعاً بشكرٍ يتجاوز الشكر بأشواطٍ قليلة، طالبةً منه رقم هاتفه الشخصي...

الصفحات