أنت هنا

قراءة كتاب أبو القاسم الشابي - حياته وشعره

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أبو القاسم الشابي - حياته وشعره

أبو القاسم الشابي - حياته وشعره

عندما شرعت بالكتابة عن أبي القاسم الشابي، كنت أعرف، أن عدداً من الكُتّاب والمؤلفين والباحثين كتبوا عنه، وبجدية عالية، ولكنني عندما راجعت هذه المؤلفات وتمعنت فيها وجدت أن كل واحد تخصص في جانب معين، فبحث فيه واستقصاه قدر استطاعته وإمكانياته، ورأيت حينها أن ال

تقييمك:
4.5
Average: 4.5 (2 votes)
الصفحة رقم: 6
بيئة الشاعر
 
الشيخ محمد الشابي والد أبي القاسم هو عميد أسرة الشابية في تونس، وقد كان لعائلة الشابي مكانة مرموقة، ذات مجد لامع في تاريخ تونس العلمي والسياسي، وخاصة في منطقة الجريد جنوب غرب تونس، التي اشتهر أهلها بالذكاء والفطنة والإقبال على العلوم والمعارف بشتى أنواعها.
 
وُلد الشيخ محمد بن بلقاسم الشابي والد الشاعر نحو عام 1296هـ 1879 ميلادي، وبعد أن أتم تحصيله العلمي المتاح في مسقط رأسه هاجر إلى مصر سنة 1901 ليكمل دراسته في الأزهر الشريف، حيث بقي فيه سبعة أعوام ينهل من علومه، وتشرّب مبادئ الإصلاح على يد الإمام محمد عبده. وتأثر بأفكار الشيخ جمال الدين الأفغاني. ثم عاد إلى تونس عام 1326هـ/1908م وانتسب إلى كلية الزيتونة لمدة سنتين حيث نال جائزة «التطويع» وأثناء دراسته في الزيتونة، تزوج الشيخ وأنجب ابنه البكر أبا القاسم أثناء دراسته في سنة 1909، تخرج بعدها من جامع الزيتونة، وعيّن قاضياً شرعياً ببلدة (سليانة) عام 1910 ثم نقل إلى (قفصة) عام 1911، ومنها نقل إلى (قابس) في بداية عام 1914 حيث بقي فيها ثلاث سنوات، ثم نقل إلى (تالة) في أيار عام 1917، بعدها نقل إلى (مجاز الباب) بقي فيها ست سنوات، بعد ذلك نقل إلى بلدة (رأس الجبل) عام 1924، ثم انتهى به المطاف إلى مدينة (زغوان) الجبلية عام 1927.
 
وقد عرف الشيخ بصدقه وقوة عقيدته، وغيرته على الدين، وانفعاله لما يجري حوله من أحداث في المغرب العربي وطرابلس الغرب وبلاد الريف أثناء غزو الطليان لليبيا وتعاطفه مع عبدالكريم الخطابي في شمال مراكش. وكان يقضي وقته بين المحكمة والمسجد والمنزل وسط أهله.
 
نشأ أبو القاسم وسط هذه العائلة الصغيرة متنقلاً حيث تنقل والده فكان يقتبس من علوم والده وآدابه طوال هذه الرحلة العملية والتي استمرت نحو عشرين عاماً بين مشاهد الطبيعة والواحات الخضراء الجميلة، وبين عادات وتقاليد متنوعة. وهذا ما يذكره الشاعر في كتاباته، حيث أهدى أول مطبوعة له (الخيال الشعري عند العرب) إلى والده بعبارات مختصرة جميلة قال فيها: «إلى حضرة الوالد الكريم الشيخ سيدي محمد بن بلقاسم الشابي الذي رباني صغيراً وثقفني كبيراً، وأفهمني معاني الرحمة والحنان، وعلمني أن الحق خير ما في هذا العالم، وأقدس ما في هذا الوجود، أتقدم بهذه الصفحات التي هي أول عمل أخرجته للناس، وأنا أرجو أن أكون قد توخيت فيه صراحة الصدق وجمال الحقيقة».
 
وهذا الإهداء من الشاعر لوالده يبين بوضوح أثر الوالد الشيخ على ابنه الشاعر، وقد عرف عن الشيخ أنه لا يخاف في الله لومة لائم، فقد ربى ولده وعلّمه وأدّبه وثقفه على صراحة القول وجمال التعبير، فكان الشابي رائداً من رواد الإصلاح في التعليم، وقد تحدث عن هذا الأستاذ محمد الصالح المهيدي وكان معاصراً لحركة طلاب الزيتونة وزميلاً للشاعر فقال: «... لما قام الطلبة يطالبون بالإصلاح الزيتوني، كان الشابي أول رئيس للجنة الطلبة التي عقدت جلستها الأولى في 5 رجب سنة 1347هـ وهو الذي وضع أول برنامج عمل للمطالبة بالإصلاح، وما زلت أذكر الليلة الأخيرة من شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 1928 تلك الليلة التي واصلت فيها لجنة الطلبة العمل إلى الصباح، وذلك إثر إلقاء القبض على بعض الطلبة الذين اتهموا بالتحريض على الاغتصاب، وما أبداه الشابي من الثبات في الموقف والشجاعة المتناهية.
 
ولما وجهت لجنة الطلبة منشوراً إلى رجال الفكر والرأي المصيب بالقطر التونسي تطلب منهم إمدادها برأيهم في الإصلاح. كان أول جواب تلقته من والد أبي القاسم الذي حرر تقريراً إضافياً احتوى على نحو عشرين صفحة، ضمنه آراءه في الإصلاح، أردفه بمكتوب لطيف يعتذر فيه عن التقصير لكثرة أشغاله حيث كان قاضياً على زغوان»(1).
 
وهذا يدل أيضاً على أن الشابي قد تأثر بحياة والده الوطنية والسياسية والأدبية عندما كان يتطوف معه بين مدن تونس أثناء عمله قاضياً، ويظهر هذا أن الشيخ كان يشجع ابنه على ذلك مؤثراً فيه بشكل كبير.
 
وفي أواسط عام 1929 مرض الشيخ الوالد، ورغب بالعودة إلى بلدته ومسقط رأسه، فرافقه ولده الذي سهر عليه في أيامه الأخيرة وفي ساعات احتضاره، وقد شاهد والده وهو يتألم آلامه الأخيرة التي عصرت قلب الشاعر وخياله ودموعه، فقد تحدث عن هذه المشاهد بألم دام وحسرة، كما تحدث عن هذه اللحظات حتى بعد موت والده، وقد وضّح ذلك في رسالة أرسلها لصديقه الأستاذ محمد الحليوي مليئة باللوعة والتفجع فقال:

الصفحات