أنت هنا

قراءة كتاب قصة عشق كنعانية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
قصة عشق كنعانية

قصة عشق كنعانية

كتاب " قصة عشق كنعانية " ، تأليف صبحي فحماوي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

مخطوطات كنعانية مذهلة!

10-1- 2009

السر لا يبقى سراً، والكنز يكسر جراره، ويدفشها بقدمه، ويخرج مستنشقاً نور الحياة، وهذه المخطوطات الكنعانية التي اكتشفتها، وأخفيتها طيلة هذه المدة، لم أعد قادراً على إبقائها في أدراجي، فأنا أخاف عليها من التلف بين يدي أمي، التي تكنس وتشطف غرفة نومي، بسطول ماء تتدفق من حولي، مثل إعصار تسونامي، وقد تقع بين يدي أبي الذي قد يتلفها، لأنه لا يهتم إلا بأخبار اليوم، طول النهار أخبار أخبار أخبار! ولكنه يتجاهل التاريخ الكنعاني، المأخوذ من حفريات أثرية، أو المستقى من التاريخ الإنساني.

وحيث أن (خير جليس في الزمان كتاب)، فإن خير جليس لي، هو هذه المخطوطات الكنعانية المذهلة! وكثيراً ما أنظر من حولي، لأتأكد من كوني وحيداً، فلا يطّلع على مخطوطاتي هذه أحد! فأضطر لقراءتها مرّة ثانية وثالثة.. وعاشرة بصمت، لدرجة أن أقرب المقربين إلي يعتقد أنني...!

لا أعرف، هل هو حسن حظي الذي أوصلني إلى كشف هذا الكنز، أم إنه سوء طالعي، الذي جعلني أحمل هذه الأمانة، التي (لو عرضت على الجبال، لأبين أن يحملنها، وحملها الإنسان. إنه كان ظلوماً جهولا..)

وهذه الأمانة ليست مزحة، إنها مسؤولية. ففي أيامنا هذه، تجد الجشعين الجهلاء يحفرون، باحثين عن كنوز الذهب، وعندما يصادفهم تمثال قائد كنعاني مهول مثل الملك صادق، أو امرأة بجمال الربة عناة، ذات النهدين الرمانتين، فإنهم يفغشون رأس التمثال، الذي هو مثل الوطن، لا يباع، ولا يُثمّن بالذهب. وأما عندنا، فالنمرود منهم يأخذ رأس التمثال، ويبيعه لجهة أجنبية، تتبنى هذه الآثار اليتيمة، وتحتضنها، وترعاها في متاحفها، ثم تنسبها لتاريخها، مُسكِتةً تاريخنا الفلسطيني العريق. هذه الجهة التي تعمل على أن يكون كل شيء لها، يسمونها اليوم "شريك استراتيجي" يشتريه هذا "الشريك الاستراتيجي" بعشرة دولارات، تماماً كما يشتري كل أشيائنا بعشرة دولارات! ونحن نأخذ العشرة دولارات ونشتري بها حلاوة، ونأكلها، فنفرح بعيشنا آثمين!

الناس عندنا يا رجل (طَعّة وقايمة!)، لا تعرف لهم رأساً من رجلين في مسألة الآثار هذه، فكيف بهم إذا عثروا على هذه المخطوطات الفريدة من نوعها، والتي تأخذك في (بانوراما) كنعانية، منذ بدء المعرفة، وخلق الحضارة الإنسانية، وكأنك تعيش معها في يومنا هذا؟

كنت أبحث ليل نهار، فأنسى نفسي في الطرقات، وتتعثر قدماي بحجارتها، وأضيع بين الغابات، مُعَرِّضاً نفسي لمخاطر الثعابين والوحوش، فأجدني أمام باب مغارة متوحشة كبيرة، أو أنبش فوهة ضيقة لمغارة انهالت عليها السنون، فصارت مثل فم عجوز ذابت أسنانها، وصارت تمضغ شفتيها الغائرتين داخل فمها. مغلق هذا الكهف، ولكن منحوتات ونقوشاً كنعانية تتوج صخرته العليا، لتؤكد أن في مخبئه شيء من عبق التاريخ.

أنا خلد أحفر تحت الأرض، باحثاً عن تاريخي المُسكَّت، والمُعمّى! تسألني لماذا أنبش في مجاهل التاريخ، فأجيبك إنني عندما أعيش تاريخ الأُحفورات، فإنما أضيف عمراً إلى عمري، لا بل أوصل عمري الحالي بالماضي، فأضيف السبعة آلاف سنة منذ أن نشأت فيها الحضارة الكنعانية، إلى عمري الحالي، الذي يناهز- هذه السنة - الثانية والعشرين، فيصير عمري سبعة آلاف سنة ونيف.. هل تلاحظ كم هو عمري ضئيل، أمام عمر التاريخ المحيط، الهادر من حولي؟

وهذه المغارة الغائرة في أعماق التاريخ السحيق، والمتوجة بتمثال محفور على رأس واجهتها الأمامية، للنصف العلوي من امرأة جميلة، تبرز ثدييها النافرتين، وعلى جانبي كتفيها قطوف كرمة... يرهبني الدخول في فمها المفتوح على مصراعيه، مثل شدقيّ أسد يتثاءب. يبدو أن كثيراً من الناس قد فتشوها قبلي... لا شيء يغري في قاع هذه العتمة، سوى هذا الذي أراه على الجانب الأيمن، وهنا على الجانب الأيسر، وفي صدر المغارة. يبدو أنها أُحفورات قبور دارسة، منبوشة ألف ألف مرة، ومنهوب ما بداخلها من أشياء ذات قيمة، فلم يبق فيها سوى تربة بيضاء ذرورية، تهاوت من فتات صخور المغارة الكلسية، المتساقطة بعوامل التعرية والتحلل..

خبطات هنا.. طرقات هناك.. لا شيء في هذه المغارة. ولكنها رطبة، ظليلة في عز الصيف، دافئة رؤوم في عز البرد..(لا ترى فيها شمساً ولا زمهريراً). إنها مريحة للجلوس، للتمدد على أرضها. أختلي بها، فأبتعد عن شرور وإزعاجات الآخرين. أسترخي قرير العين فوق ضريح دارس.

هذا الضريح الأيمن، مكان رطب للاسترخاء.. كم يريحني النوم هنا. أنت بسهولة تغفو في هذا الظل الظليل. لا ينقصك سوى قطوفه الدانية على صدر تلك الحسناء التي ترصد الباب. تغفو ملء جفنيك، وتنام بهدوء. أحلام سعيدة. غابات كرملية متشعبة. خضرة داكنة تغطي المكان. صوت هامس يصدر من بعيد.

ليس في المكان أحد! من أين يأتي هذا الصوت الشجي؟ صوت فيه براءة وأنوثة وشفافية. إنها ليست أنغام فيروز الجبلية. يتدفق الصوت بخفة جدول رقراق، ينبلج من شقوق صخور أجمة وارفة الظلال. كروم العنب تشرئب قطوفها السمينة بعسلها. كل حبة عنب هي حلمة معشوقة لذيذة المذاق. قطوف العنب الممتلئة، أثداء نافرة، وحلماتها حبات عنب نبيذ أبيض، أو زهر رمان كرملي شفاف.. والنساء تمد أذرعتها متشابكة، لتشكل فروع شجر كرمة مستلقية على ربوع الخضرة.

وأنا مدمن مغارات. أحب أن أتعبد في كل مغارة كرملية. الصوت الشجي يقترب. أكاد أسمع مزيداً من الوضوح. الصوت يمتزج مع موسيقى، وصفير رياح الغابات الجبلية. أتخيلهم أناساً يتنفسون من شقوق الصخور، وأكاد أسمع شهقاتهم وزفراتهم، أُوقِد لهم سراجا لعلهم يفيقون. آخذ إليهم خبز أمي، ونبيذ أبي، لعلهم معي يفطرون. صوت ناي..أرغول. عتابا وميجنا.

الصفحات