أنت هنا

قراءة كتاب يوميات آدم وحواء

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
يوميات آدم وحواء

يوميات آدم وحواء

كتاب " يوميات آدم وحواء " ، تأليف نزار دندش / نرمين الخنسا ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

يوميات أدم وحواء

لا شيء يلازم الإنسان مثل زمانه، فهو ظلّه الذي يلتصق به، فيحرسه، ويؤرّخ لتفاصيل حياته، لأنه مخلوق له كي يرافقه في يقظته، وأيضاً في منامه، فيرتّب له شريط كل أحداثه، منذ أن يفتح عينيه على النور، وحتى انحسار الضوء عن البصر، وخلود الأفكار العاقلة إلى النوم. وإذا ما نام الإنسان، فإن زمانه يبقى إلى جواره ساهراً، يسجل له دقات قلبه، وتناغم الأنفاس مع جريان الحياة في تفاصيل الجسد، كما يسجل ما حوله مما يضرّ أو ينفع، ثم يجبر نفسه على متابعة الأفكار غير العاقلة التي تهيمن على الإنسان أثناء النوم.

لا همّ متى جاءا، وكيف وصلا ولماذا أتيا، المهم أن أول آدم وأول حواء كان لهما زمن واحد، هو ذلك الزمن الذي لم يصغ لأصل الحكاية، لأنه ولد لحظة كانا يمسكان بغصن شجرة عالية، يتسلقانها تارة ويداعبان أوراقها تارة أخرى، فيأكلان من ثمارها، دون أن ينسيا تبادل كلمات الحب والغزل.

كانا أول ضيفين للرحمن في الجنّة، في أول تجربة لاستضافة بشر فيها. ثم صارا أول مبعدين عنها، قصاصاً على هفوات مسلكية، وكم كان ذلك القصاص مدوّياً، يذكره ويتذكّره كلّ آدمي على هذه الأرض، ويستنتج منه العبرة كلّ ذي بصيرة وفكر متنوّر. وصلا إلى الأرض في رحلة مقنّعة بوشاح الخيبة، لكنها رحلة فيها الكثير من العبر، رحلة تستجمع معاني الحكمة، وتستبطن مغزى وجودنا على هذه اليابسة. انتقلا من جنة الجمال المطلق والهدوء اللامتناهي، إلى أرض المناخ العاصف ودنيا الصخب، والفوضى العارمة وعالم الكائنات المتصارعة.

في اليوم الأول من الشهر الأول من السنة الأولى، للتاريخ الآدمي على هذه الأرض، وصل آدم وزوجته حواء إلى عالم الأرض، منفيّين من الجنّة النموذجية المصفّاة والمطهّرة، وحاملين على أكتافهما عبء الخطيئة. وصلا حاملين معهما إلى هذه الأرض الزمن الآدمي، الذي يلازم الانسان ويؤرخ لتفاصيل حياته، ذلك الزمن الذي لم يصغ لأصل الحكاية، لا شأن له بما جاءا من أجله، ولا كيف عبرا من عالم الأحلام الطاهرة، إلى دنيا هذه الأرض التي تحتاج إلى من يستعمرها بنجاح، إلى من اغتنى بتجربة المكان النموذج، واكتوى بوزر الخطأ والخطيئة.

كان الذهول يخيّم على وجهيهما، عندما وجدا نفسيهما في بقعة من الأرض لا تشبه ما اعتاداه، إلا في قدرة الخالق على التنويع فيما خلق. فكاد أن يقتلهما الندم، لو لم يلهمهما الله صبراً فآمنا بأن المعصية لا تكفّ عن أن تكون معصية إلا بالاستقامة. وكي لا يقعا في الخطأ ثانية، قررا أن لا يتباطآ في استعمار هذه الأرض التي استخلفهما الله عليها، وفي المحافظة عليها احتراماً لخالقها، فلعلّه استضافهما في الجنة، كي يرتسم في مخيلتهما النموذج والمثال لما يمكن أن تكون عليه حتى هذه الأرض المتوحشة. فلكم كانت المهمة شاقة، ولكم كانت همّة آدم وحواء عالية!

في البدء كان الحب على هذه الأرض، وفي المشهد الأوّل صورة لأول حواء تزرع رأسها بين أضلاع آدمها، فيداعبها كما يداعب بقية أضلاعه، ويحس كأنها ضلعه الأوحد، فتنبعث من بين أضلاعه سمفونية الأعماق. كان حبّهما نقياً نقاء الأرض العذراء، وصافياً صفاء تلك السماء التي لم تشرق فيها الشمس قبلهما، إلا قليلاً.

كان الطقس دافئاً في ذلك المكان، والشمس تسخّن جسديهما العاريين كلما لمحتهما من خلف أوراق الشجر. أما في المساء، فكان آدم يضمّ حواءه إلى صدره الدافىء، ويعوّض لها عن غياب الشمس التي تعودا غيابها، على مضض.

الصفحات