أنت هنا

قراءة كتاب سمرقند

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سمرقند

سمرقند

كتاب " سمرقند " ، تأليف أمين معلوف ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
في أعماق المحيط الأطلسي كتاب. وقصّته هي التي سأرويها.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

الكِتَاب الأوّل

شُعَراء وَعُشَّاق

«إل~هي قُلْ لِي مَنْ خلا مَنْ خطيئةٍ

وكيف تُرى عاشَ البريءُ مِنَ الذَنْبِ»

«إذَا كُنْتَ تَجْزي الذَنْبَ مِنّي بِمِثْلِهِ

فَمَا الفَرْقُ ما بَيْني وبَيْنَكَ يا ربّي؟» (1)

عمر الخيّام

1

يحدث أحياناً في مساء بطيء عبوس أن يتسكّع بعض أهالي سمرقند في درب الحانَتَيْن غير النافذ بالقرب من سوق الفلفل لا لكي يذوقوا خمرة الصُغْد المُمَسَّكة، وإنما ليَرقبوا ذهاب الناس وإيابهم أو ليخاصموا شارباً ثَمِلاً. وعندئذٍ يُمرَّغ الرجل في الغبار وتُكال له الشتائم ويُنذَر لجحيم تذكِّره نارُها، حتى آخِر الدهور، بحُمرة الخمرة المُغْوِية.

ولسوف يولد من قبل هذه الحادثة في صيف 1072م مخطوط «الرباعيات». فعمر الخيّام في الرابعة والعشرين، ولمّا يَمْضِ على وجوده في سمرقند كبير وقت. فهل كان ذاهباً إلى الحانة في ذلك المساء أم أن صُدْفَة التسكّع هي التي حملته؟ إنها اللذَّة النَدِيَّة بذَرْعِ مدينة مجهولة والعينان مفتوحتان على ألف لمسة من لمسات النهار المنصرِم: صبيّ صغير يجري بقدميه الحافيتين فوق بلاطات شارع «حقل الراوند» العريضة وهو يضمّ إلى عنقه تفّاحة سرقها من بسطة المعروضات؛ وفي سوق البزّازين تجري لعبة نَرْدٍ حامية الوطيس على ضوء سراج داخل دكّان، وقد رمي بالقطعتين وتعالت لعنةٌ وخُنقت ضحكة؛ وفي ممرّ الحبّالين المُقَنْطَر توقّف بغّال قرب بركةٍ وجعل الماءَ ينساب في جوف راحتيه المضمومتين ثم انحنى ماطّاً شفتيه وكأنّه يقبّل جبين طفل نائم؛ وإذ ارتوى فقد مسح براحتيه المبلَّلتين على وجهه وغمغم بالشكر وتناول بطيخة مُفَرَّغة فملأها ماء وحملها إلى بهيمته لتشرب هي الأخرى.

وفي ساحة تجّار الزبل اقتربت من الخيّام امرأة حامل. وإذ كانت قد رفعت نقابها فقد بدا أنها تكاد تكون في الخامسة عشرة من العمر. ومن غير أن تنبس بكلمة ولا أن ترتسم ابتسامة على شفتيها البريئتين اختلست من يديه بضع حبّات من اللوز المحمّص الذي كان قد اشتراه لتوّه. ولم يدهش المتنزِّه، فهناك اعتقاد قديم في سمرقند: حين تصادف المرأة التي ستغدو أُمّاً إنساناً غريباً يروقها شكله فإنه ينبغي عليها أن تتجرّأ على مشاطرته طعامه، وبذلك يغدو الولد في مثل جماله وقامته الممشوقة وقسماته المليحة التامة.

تباطأ عمر وأخذ يمضغ اللوزات المتبقّيات بفخارٍ ناظراً إلى المرأة المجهولة وهي تبتعد. وإذ ترامى إليه صخب حفزه على الإسراع فإنه لم يلبث أن ألفى نفسه وسط جمهورٍ هائجٍ وعجوزُ طويل الأطراف هزيلها مُلْقىً على الأرض حاسر الرأس وشعرُه الأبيضُ مشعّثٌ فوق جمجمة مسفوعة؛ لم تكن صيحاته الناجمة عن الغضب والذعر سوى نحيب مستطيل، وكانت عيناه تضرعان إلى أوّل قادم.

كان حول المسكين زهاء عشرين شخصاً تهتزّ لحاهم في الهواء وتتشفّى هراواتهم، وعلى بُعدٍ منهم حلقة من المشاهدين المغتبطين. وإذ لاحظ أحدهم سحنة الخيّام المُستنكِرة فقد ألقى إليه بنبرة أشدّ ما تكون تطميناً: «ليس في الأمر ما يزعج، إنه ليس غير جابر الطويل!» وأجفل عمر واخترقت حلقه رعدة خجل وتمتم: جابر، رفيق أبي عليّ!».

الصفحات