أنت هنا

قراءة كتاب الهوية الثالثة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الهوية الثالثة

الهوية الثالثة

كتاب " الهوية الثالثة " ، تأليف نزار دندش ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

الهُوِيّة الثالثة

... إذن، نذهب غدًا إلى المحكمة، فبعد تقديم الطلب لا بد من الانتظار مدة شهرين أو أكثر قبل الموافقة على تسجيل زواجنا. لا تنسي، ماريا، أن البلغار لا يزوجون بناتهم من أجانب إلا بعد إخضاعهم لعمليات البحث والاستقصاء التي قد تطال أجدادهم أيضًا! وهذا من حقهم طبعًا...

- لا أدري إن كان ذلك من حقهم أم لا، لكنني أعرف أنني أحبك كثيرًا، وهذا هو الأهم. أنا مقتنعة بالزواج بك، وأتمنى أن أنجب طفلًا يكون اسم والده زيّان، وأكره أن يعرّف به في هويته بعبارة مجهول الوالد.

أنت تعرف، حبيبي زيّان، أنني تلقيت عروض زواجٍ كثيرة قبل أن أتعرف إليك، لكنها المرة الأولى التي اقتنعت فيها بالإقدام على دخول قفص الزوجية. أحس أنني مشدودة إلى الفكرة الآن، لأنني أحبك حبًا لا حدود له، وأستعجل الوصول إلى يوم نصبح فيه أبوين لولد واحد، أتمناه أن يكون ذكيًا مثلك، وأتمناه رقيقًا، وسيمًا ومستقيمًا، حاملًا أوصافك جميعها.

- وأنا أيضًا لم أكن أحلم بأفضل من صفاتك زوجة وحبيبة وشريكة في أسرة تكوّن خلية صالحة من خلايا الحياة، خلية تتكاثر لتنجب ذرية مميزة.

لم يعد لحياتي بدونك معنىً ولا لحبي خارج حبك نكهة ولذّة. لقد حضنتني يوم تخلى الآخرون عن حضانتي فصرت لي وطنًا، بل عالمًا بأكمله؛ وفتحت لي قلبك يوم كان قلبي بحاجة إلى المأوى الدافئ والهانئ، فصرت لي غذاء روحٍ وعاطفة، وصرت لي أكثر من قضية، أتلمَّس الحب الخارج من عينيك الزرقاوين خروج الوهج من فوهة البركان وأشم العطر فواحًا من ثناياك..

ما كاد زيّان ينهي لقاءه حبيبته حتى راح يسترجع في ذاكرته صورة وطنه لبنان الذي غادره قبل ثلاثة أعوام، وصور الفتيات اللاتي طَرَقْنَ باب قلبه فيما مضى، واللواتي فكّر في الزواج بهنّ في سنيِّ المراهقة. تذكر في وقفته الوجدانية هذه عمله المبكر في شركة كهرباء لبنان، يوم عمل جابيًا يجمع من المنازل بدل ما استهلكت كل أسرة من الطاقة الكهربائية؛ وعادت إلى ذاكرته تلك الزواريب التي كان يقطعها كل يوم، متنقلًا من منزل إلى آخر. واستذكر تلك السيدة الغنية التي عرضت عليه تزويجه بنتها الوحيدة معلنةً استعدادها لشراء منزل للعريسين. كم كانت لطيفة السيدة نور، وكم كانت ذكية أيضًا، فقد استطاعت أن تكتشف بحدسها استقامة ذلك الزيّان الخجول، الذي أصبح طالبًا مميزًا في جامعة صوفيا التي يدرس فيها الرياضيات.

وانتصبَتْ أمامه في تلك اللحظة صورة تلك السيدة العجوز التي فقدت محفظتها الملأى بالدولارات بعد أن حوّلت مدّخراتها إلى عملة صعبة في إثر حصولها على تأشيرة الهجرة إلى كندا. كانت محظوظة جدًا بالرغم من توترها الشديد، فقد “وقعت محفظتها في يد زيّان الأمينة”، كما كانت تردد على مسمع الجيران، مضيفة: “لقد فوجئت بمحفظتي تبحث عني بدلًا من أن أبحث عنها أنا”.

كان عمله في الجباية مسلّيًا، فجابي الكهرباء شخص محترم في ميزان القرويين، فهو يتقاضى راتبًا شهريًا، وهو في نهاية المطاف صاحب سلطة، وكلمته تصل إلى مرجعيات السلطة. “الوظيفة تؤمن للشاب مستقبله” – هذا ما كانت تردّده على مسمع زيّان السيدة أم طارق التي كانت ترى العمل في أية وظيفة أفضل من ممارسة الزراعة وانتظار مواسمها التي تسير من سيّئ إلى أسوأ.

طبيعة عمله عوّدته الإلفة، وهو الذي دأب في دخول المنازل عشرات المرات في اليوم الواحد. وقلما كان يرفض ضيافة الشاي والقهوة التي تعرض عليه والتي تستبدل أحيانًا بالمرطبات الباردة. كانت الضيافة تتعدى المشروبات الخفيفة أحيانًا فتصل إلى مناقيش الكشك والزعتر، فأهل القرى يميلون إلى الكرم، عادة، وجابي الكهرباء ما زال في عرف الكثيرين من أهل القرى ضيفًا ولو كان عابرًا.

الصفحات