أنت هنا

قراءة كتاب مراتب الموتى

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مراتب الموتى

مراتب الموتى

كتاب " مراتب الموتى " ، تأليف فوزي ذيبان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
«تباً لكَ. لِمَ هذه التكشيرة وهذان الحاجبان المقطبان؟

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

2

صحا إبراهيم على وقع طرقات على باب بيته وصوت يستحثه على الإسراع. كان يدحش القطن في فم الثمانيني ومؤخرته، وكان يرفع حنكه إلى فمه بقطعة قماش يشدها فوق الرأس الأشيب للعجوز.

لم يردّ بنأمة حرف على هذا الذي يستحثه على الإسراع. اكتفى بنظرة وجّهها إلى الباب الخشبي السميك، وأكمل عمله بصورة آلية هي أقرب إلى الغريزة منها إلى مهنة مكتسبة أو شيء من هذا القبيل.

فإبراهيم وهو كائن في الحادية والسبعين من العمر، لا يجيد القيام إلا بعمل واحد هو غسل الأموات. إنها مهنة ورثها عن جده لأبيه الذي مات منذ أن كان هو في الثامنة عشرة من العمر.

لا يعرف من أمر أبيه شيئاً ولا من أمر أمه، ولا يوجد في ذاكرته إلا صورة جده العجوز صاحب الحاجبين الكثيفين اللذين كانا ينعقدان بعنف إذا ما سأله إبراهيم عن أمر ذويه.

أول جثة غسلها وحده هي جثة هذا الجد التي أعيته يومئذ من شدة التعفن. يتمتم إبراهيم أن رائحة جثة جده لم تغادر أنفه البتة، وأن رؤية هذه الجثة وهي فوق سطح الرخام لم تفارق يوماً عينه. حتى اليوم، وقد مضى على موت جده عقود، لا يزال إبراهيم يلمح تلصّص عينا جده العجوز على كل جثة يقوم هو بغسلها فوق سرير الرخام.

عاد الطرق فوق الباب ثانيةً وصوت امرأة تبسبس كي يعجل الانتهاء. أخرجت بسبسة المرأة إبراهيم من وعورة سباته، وجعل ينصت إلى صوتها الذي يشبه فحيح أفعى أعياها حر الصحراء.

رمى القطن من يده وجرجر جسده إلى الباب الخشبي. فتح الباب عبر عارضة خشبية رفعها وأخذ يرمق المرأة عبر مئزره الأبيض وعينه الواحدة وهو يلوّح بإصبعه الطويلة بوجهها هامساً: أنا لم أنته بعد!

كان الريق يطقطق داخل حنجرته وهو يوجّه سهام غضبه إلى هذه العجوز الشمطاء. تقهقرت إلى الوراء فشخة أو فشختين وقد تكاثف إبراهيم عليها برائحة فمه المشهورة جداً بين الأحياء وبإلحاح أكثر بين الأموات.

ولّته الظهر وتوارت داخل كثافة الضباب وهي تشد ربطة منديلها تحت ثؤلول ذقنها وتتمتم بكلمات تشبه الضباب.

تولى المرأة غضب مكتوم من هذا الذي يشبه الشبح، ولم تنظر إلى الخلف إلا على وقع صوت باب بيت إبراهيم يطبش بعنف ثم صوت خشب يطقطق على خشب يطقطق على قيل وقال.

الصفحات