أنت هنا

قراءة كتاب مراتب الموتى

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مراتب الموتى

مراتب الموتى

كتاب " مراتب الموتى " ، تأليف فوزي ذيبان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
«تباً لكَ. لِمَ هذه التكشيرة وهذان الحاجبان المقطبان؟

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

4

لم يهتم بالمرّة بصوت طرطقة العجلات. ارتشف آخر رشفة من شايه وهو ينظر عبر النافذة إلى الرجال الذين صاروا يظهرون عبر الضباب كالأشباح.كانوا يجرجرون عربة نقل الموتى، وفي بالهم أخذ الراعي الممدد فوق رخام إبراهيم.

كانت العجوز على رأس الرجال تكلمهم كأنها تكلم نفسها فقط. أما هؤلاء فعلامات الغضب والكدر قد تمددت على وجوههم الجافة.

«حسناً- قال إبراهيم- لقد انتهيت».

كان على العربة بعض الطعام. أدخل أحد الرجال هذا الطعام إلى فِناء البيت على وقع صوت إبراهيم يأمر الرجال، بضجر، أن ينقلوا الجثة إلى العربة.

لا يذكر إبراهيم أنه قد كفّن الرجل بالأبيض أو لفّه بحبل القطن. لكن الجثة كانت بغاية الأناقة والتشذيب... « ها هو قد عاد صبياً» قال إبراهيم للعجوز التي لم ترد إلا ببصقة خضراء أتت بها على التراب المبلل بماء المطر.

5

جاء في كتب الطاعنين وألسنتهم أن جدّ إبراهيم كان إذا ما حدّق إلى أحدهم يوقن هذا الأخير أنه قاب قوسين من الموت. جاء في همس طاعني القرية وشيوخها أن جد إبراهيم كان لا يخرج من بيته إلا إذا تأخر الموت في القبض على أحدهم. كان لا يخرج إلا لماماً لحبك خيوط لا يراها إلا هو.حسب دمدمات هؤلاء الشيوخ كان لا يخرج من بيته المنعزل إلا لتأمين قوته من الموت.

عجّل الرجال في نقل الراعي إلى العربة الخشبية وهم يتدارون عن وجه إبراهيم.كان يقف عند عتبة بيته منحنياً يحكّ ذقنه ويبادل العجوز الكلمات حول موضوع له علاقة بطفلين.

«كلا لم يجدوهما بعد»، ردّت عليه وهي تلعن ظلال لعابه بصوتها المخنوق في صدرها.

«هل أنت أصم! قلت لك لم يجدهما أحد بعد»، قالت بعنف وهي تحثّ الرجال على الإسراع في جر عربة الخشب.

كان صوت الأذان الآتي من جهة القرية يتناهى إلى مسامع إبراهيم أثناء ولوج الرجال الضباب، وقبل أن ينهي كوبه الثاني من الشاي قام بوضع فراشه على لوح الرخام وغرق في موجة نوم لا تشبه إلا الموت.

نومه يشبه نوم الجثث. إنه حالك إلى أصفر متردد كأنه ورق شجر الخريف.لا يجيد النوم ليلاً ويكره بشدة ضوء النهار. يحب الليل إلى حد الشغف وتربطه علاقة وطيدة بالسماء الملبدة بالغيوم.كان الطقس الذي جدد عاصفته حول بيت إبراهيم يهدهد سريره حيث يقوم بغسل الجثث، كأنه يهدهد سرير رضيع. بالفعل، فإن إبراهيم ومنذ أول إغفاءة له لا يقدر على النوم إلا إذا وضع إصبعه في فمه وأخذ يمضغها كل الوقت. حتى أن أهل القرية لطالما تساءلوا عن سر اللون الأبيض الذي يكلل أصابع إبراهيم.

لم يسبق لأحد أن رآه نائماً. فما خلا بعض الصبية الأشقياء لا أحد من أهل القرية والجوار يجرؤ على التسلل إلى نوم إبراهيم.

الصفحات