أنت هنا

قراءة كتاب مراتب الموتى

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مراتب الموتى

مراتب الموتى

كتاب " مراتب الموتى " ، تأليف فوزي ذيبان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
«تباً لكَ. لِمَ هذه التكشيرة وهذان الحاجبان المقطبان؟

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

9

كان صوت المطر في الخارج ينهمر كأنه يوشوش أو يهمس بالأسرار. لم تبرق السماء ولم ترعد البتة. إنما صوت المياه المنهمر هيّأ في رأس إبراهيم الإسراع في غسل الصغيرين، فهو على كل حال بحاجة ماسة إلى الجوز والعنب والعسل والملح.

لم تكن أم الولدين مع زمرة المشيعين. هم أربعة أو خمسة رجال والعربة الخشبية وتلك العجوز الشمطاء تحمل في يدها جوزاً وعنباً وعسلاً وملحاً.

«يبدو أن والدة الطفلين أسرفت في كرمها عليك»، قالت الشمطاء بنبرة تنم عن سخرية وهزء. لم يرد على المرأة بشيء. اكتفى بأخذ الطعام من بين يديها ثم أغلق الباب بإحكام، وجعل يستنشق رائحة الريحان والبخور المنتشرة داخل أرجاء البيت.

10

«إنّ أمتين مسختا، هما الحيات والكلاب»، قال جده وهو يلف التبغ فوق جثة تبلغ المائة من العمر. لم تكن جثة رجل ولا جثة امرأة بالتأكيد. لم تكن سوى جثة على ما يذكر إبراهيم.كان جده يزيل التبغ عن بطن الجثة بعد أن نشره هناك كي يجفّ بعض الشيء.

«إذا نبحت الكلاب وجاوبتها ذئاب الجبال، قال جد إبراهيم، فسيكون هناك أوبئة وجوائح مهلكة». لم يكن جده عرافاً أو من أصحاب الكهانة والتبصير، لكن للموتى حكمتهم التي تتسلل خفية من بين الشقوق والفتحات لنتلقفها «نحن يا إبراهيم»، حسب قوله القديم.

«نعم، إن الموتى يعلمون ما يعجز كل حكماء الأحياء وشيوخهم عنه. لهم باب إلى الأسرار من نعم سيد السماوات والأرضين علينا أنه قد خصّنا به يا صغيري يا إبراهيم. تعلّم كيف تنصت جيداً إلى حكايا الموتى، ولا تنسَ ذكر الله كلما أتى ميت إليك. فالأموات يحبّون ذكر الله والاستئناس يتجاويف حروفه وانبساط كلماته جلّ وعلا».

عندما كان إبراهيم صبياً كان يظن أن الله كتاب مفتوح يعج بما لا نهاية له من كلمات. فهو كان لا يرى إلى جده إلا وكلمات العلي القدير تزيّن لسانه مع كل جثة يغسلها. لم يتوقع الصبي إبراهيم أي فصل أو مسافة بين الله والكلمات وجثث جده التي لا تنتهي. حتى أنه في أحد الأيام، وفوق سطح المنزل من جهة المدخنة السوداء، سأل جده عن عدد كلمات الله.

ـ كلماته جل وعلا كثيرة.

ـ هل هي بقدر الجثث؟

ـ لست أدري!! رد عليه جدّه بحنق وهو ينزع ألواح الطوب من حول المدخنة السوداء.

الصفحات