أنت هنا

قراءة كتاب مستقبل المرأة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مستقبل المرأة

مستقبل المرأة

لقد سُجنت المرأة الإغريقية في الخدر، ومُنعت من المشاركة في الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية للمدنية. وباستثناء بعض المحظيات ومومسات «المجتمع الراقي» وهي حالات نادرة جداً، تسود القاعدة التي عبر عنها سقراط نفسه بقوله «السياسة للرجال والمنزل للنساء».

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

إلا أنه من البديهي هنا، أنه في أحسن الحالات، أي عندما تتحقق هذه الأهداف، يبقى التمييز بين الأجراء والقادة قائماً. وستظل كذلك، حتى لو ألغي التمييز بين الرجال والنساء في توزيع وظائف القيادة.
سنعود إلى هذه المسألة وهي المسألة الشائكة في النضال النسائي: إن هذا النضال لا يستهدف، إقامة المساواة بين الرجال والنساء ضمن مجتمعٍ جوهرُهُ اللامساواة، فحسب، بل أيضاً التحويل الجذري لهذه البنى اللا عادلة التي أسسها الحكم الرجالي منذ آلاف السنين، منذ ما أسماه «أنجلز» عن حق «أكبر هزيمة تاريخية للجنس النسائي»(5).
لنرجعْ إذن عبر الزمن، بدءاً من العصر الذي شهد أدقّ تقسيم اقتصادي للجنسين بين الدائرة المنزلية والدائرة العامة، حيث تم «تسييج» النساء بكامل معنى الكلمة في المنزل. وقد بلغ هذا النظام قمته خلال القرن التاسع عشر.
لقد تمّ التطور قُدُماً نحو توزيع أدوار الجنسين في الأسرة، فتُركت للمرأة مهام الأعمال المنزلية (حتى عندما تكون مندمجة ضمن عالم العمل المأجور معرّضة فيه إلى استغلال فاحش» بقدر ما كان اقتصاد المعيشة (البقاء) يتراجع أمام اقتصاد السوق.
ضمن اقتصاد المعيشة، أي ضمن اقتصاد تُنْتَجُ فيه المواد الحيوية الأساسية داخل الأسرة، خصوصاً في الريف، (المواد الغذائية النباتية والحوانية، الأدوات، المنسوجات، صناعة الألبسة والأثاث ومواد التنظيف...) لا يتمايز توزيع المهام كثيراً، ويظلّ، في كل الحالات، متكاملاً ضمن الوحدة الأسروية الواحدة.
ولا ينزع موقع المرأة في مثل هذه الشروط، إلى أن يكون متدنياً بكثير عن موقع الرجل.
كما أن المهن الحرفية تستوجب غالباً أيضاً، تعاوناً مستمراً بين الزوجين في عمل ينجز الشطر الأكبر منه ضمن الأسرة، وإن اتسم ذلك ببعض التباينات وحتى بتمايز أشد في المدن.
لذلك يكون موقع المرأة في مجتمع كهذا أفضل نسبياً، وذلك ـ كما ذكرت «ريجين برنود» ـ في كل فئات المجتمع، خصوصاً في القرنين العاشر والثالث عشر.
وعلى الرغم من كون المجتمع خاضعاً لتقسيم مراتبي شديد، فإن التمييز، على مستوى كل مرتبة، محدود بين الرجال والنساء: فيمكن لنساء طبقة النبلاء تولي مهام الوصاية (على عرش أو إمارة..) بدل الرجل، ويمكن للمرأة الريفية تولي الدفاع عن أملاكها بنفس مرتبة الرجل تقريباً. كما يمكنها أيضاً حضور الاجتماعات والمشاركة والتصويت فيها، حتى إن كانت وحيدة. وتقوم امرأة المدينة برعاية عملها الحرفي أو التجاري. وتتلقى المرأة في الأديرة تعليماً بنفس المستوى الرفيع الذي يتلقاه الرجل. أما على أرفع المستويات فإن النساء يُتاح لهن لعب أدوار سياسية من الدرجة الأولى مثل «أليونور داكيتان» «كاترين دسيين» لدى المقام البابوي أو «جان دارك» في مملكة فرنسا.
إنطلاقاً من القرن الرابع عشر بدأ انهيار الموقع الاجتماعي للنساء: فنجد أن رجال القانون، في بداية القرن الرابع عشر أعادوا ذكر «شريعة مسيحية» مزعومة تمنع النساء من الصعود إلى العرش الملكي، ومن تملك الأرض بالميراث، وقد أشارت لذلك، أيضاً، «ريجين برنود». وقد قامت في القرن الرابع عشر أيضاً قامت جامعة باريس بملاحقة نساء طبيبات بحجة أنهن لا يملكن الألقاب الجامعية اللازمة التي كانت تُمنع عنهن. إثر ذلك تدنى مستوى التعليم الذي تتلقاه النساء في مدارس الراهبات (الأديرة). وكانت «كاترين دي مديسي»، آخر ملكة مارست دوراً سياسياً مستقلاً، إذ صدر في 28 حزيران 1893 قرار عن برلمان باريس يمنع عن النساء كل وظائف الدولة. وقد ذكر «ريشليو» في مؤلفه «الوصية السياسية»: «لا يوجد شيء يمكن أن يسيء إلى الدول مثل هذا الجنس».
إنه لتقليد عريق أن نبحث عن حجج من كل الأنواع حتى نحافظ على تمييز أساسي. لقد وجد الاستعمار تبريرات عنصرية للهيمنة واستغلال كل القارات الأخرى، مختلقاً الأيديولوجيات الأكثر اعتباطاً وتسفيهاً حول «النقص الطبيعي» للملونين، كذلك «التمييز الجنسي»، أي هذا النمط من السلوك والإيديولوجيا الذي ينسب إلى أحد الجنسين عدداً من الخصال، وبالتالي يمنحه امتيازات يتجاوز بها الجنس الآخر. لقد اختلق الاستعمار وجمع التبريرات الأكثر تشتتاً. كما أن «اليمين الجديد» المزعوم يبتدع ويُراكم أية قرائن علمية أو بيولوجية أو فلسفية لإحياء «النظرية» السخيفة حول امتياز العرق أو الحضارة الإغريقية الرومانية. لقد تكاثرت أيضاً في كل العصور التي شهدت قمع النساء، أطروحات مزعومة تنسب للدين أو العلم أو التاريخ أو الفلسفة، وتستهدف «ترسيخ» ضرورة خضوع النساء.

الصفحات