أنت هنا

قراءة كتاب مستقبل المرأة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مستقبل المرأة

مستقبل المرأة

لقد سُجنت المرأة الإغريقية في الخدر، ومُنعت من المشاركة في الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية للمدنية. وباستثناء بعض المحظيات ومومسات «المجتمع الراقي» وهي حالات نادرة جداً، تسود القاعدة التي عبر عنها سقراط نفسه بقوله «السياسة للرجال والمنزل للنساء».

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

من وجهة النظر الدينية، قدم العهد القديم، ثم الكنيسة المسيحية ـ بحكم نشأتها في مجتمعات أبوية تعكس كل مسبقاتها المتعصبة ـ ترسانةً حقيقية من التبريرات «الماورائية» لأطروحة دونية المرأة الجوهرية. لقد أشارت السيدة «بنتا سيلغو» إلى ما أسمته «فصل المرأة بشكل كامل في المجتمع اليهودي...» وأكدت على «الدور الذي لعبته الكنيسة على مستوى دعم البنى الرجالية والأبوية، وعلى مستوى استبطان التحريمات من جانب المرأة». ولكونها عضواً في الحركة الدولية للنساء المسيحيات «غرال» فقد أدانت ما تبقى في المسيحية من بنى هيمنة واستلاب واحتقار للمرأة ـ الكائن و«ما ظل متستراً فيها طوال القرون من أبوية اجتماعية وامتثالية»(6) لقد لاحظت «فرانس كيري» وهي أخصائية بالمذهب البروتستانتي، في كتابها «المرأة المستقبل»(7) كيف أن قصة الخلق في سفر التكوين تهمل الصيغة القائلة «وخلقهما رجلاً وامرأة» (سفر التكوين 1،27) وهي تعني في شمولها أن الإنسانية متوحدة في الذكر والأنثى، فتورد في سردها أن المرأة لا تخلق إلا في مرحلة متأخرة (بعد الحيوانات) «كما لم يكن الأمر إلا استدراكاً لنسيان» حيث تخرج من ضلع زائدة من آدم قبل أن تصبح أول الخاطئين، وتكون كما أسماها «ترتوليان» بمرح «باب الشيطان».
انطلاقاً من ذلك، لا نستغرب أن علم اللاهوت المسيحي دعم بقوة أطروحة ضرورة خضوع النساء، رغم المثال المعاكس تماماً الذي قدمه يسوع الناصري (والذي سنعود إليه، عندما يتوجب تحديد الدور التنبؤي الذي تقوم به النساء وحركتهن) بدءاً من القديس بولس الذي أكد التقليد الحاخامي المعادي للمرأة «لم يخلق الرجل للمرأة، بل المرأة خلقت للرجل»(8) إلى القديس توما الأكويني الذي قال بشكل دوغمائي «إن المرأة تخضع للرجل بحكم طبيعتها، فالرجل يتمتع أكثر منها بالقدرة على التمييز العقلاني»(9) وهو، كما تذكر فرانس «أيها السيد الأسقف، لوكان لدينا ممتلكات، لاحتجنا إلى أسلحة للدفاع عنها».
إن النمو المترافق للملكية والدولة هو حقيقة دائمة. إن السلطة السياسية تعتمد بالذات على التحكم في الأشكال السلطوية للملكية. إن الدولة هي أولاً دولة مالكي العبيد، مثلما أن الدولة الإقطاعية هي دولة الملاّك الكبار، وكما أن الدولة البورجوازية هي بالتتالي دولة التجار وأصحاب البنوك والصناعيين ثم دولة «المدراء» الذي ينظمون الجهاز، خدمة للمالكين.
من ناحية وضع المرأة، يتجلى ذلك بأن الملكية تضع النساء ضمن دائرتها، فيمثلن قسماً من ممتلكات السيد.
لنأخذ مثلاً خارج محيطنا الحضاري، إن ممارسة استئصال البظر على الفتيات الصغيرات، حتى يومنا هذا، في بعض مناطق إفريقيا الشرقية، تمثل امتداداً نموذجياً للحق الأبوي: فالسيد، أي الرجل، يضمن لنفسه ملكية الزوجة المقبلة، عبر هذا التشويه، مع كل الآثار النفسية والجسدية التي تسببها للفتاة والمرأة طوال حياتها، فنتيجة للبرود الجنسي الذي تخلقه هذه العملية التي تفصل المراكز الحسيّة، لن تتمكن المرأة من الحصول على المتعة مع أي رجل، وبالتالي تتيح مجالاً منفعلاً وسلبياً لمتعة زوجها وسيدها، المطلقة.
وليس ذلك إلا مثلاً محدوداً، لكن حتى لغتنا نفسها تشهد باعتبار المرأة من ممتلكات الرجل: ففي العمل الجنسي يقال إن الرجل «يمتلك» المرأة، في حين أن المرأة «تسلّم» نفسها. وليس الأمر تجريداً فحسب، بل إن دور علاقات المال والثروة والسيادة والمراتب الاجتماعية يظل غالباً في فرض علاقات جنسية لا ترغب بها المرأة سواء عبر الزواج أو غيره.
إن عالمنا نظام صنعه الرجل، سواء تعلق الأمر بملكية الأرض والمواشي والعبيد والثروة، أم بالقيادة والسلطة.
إن عالم الملكية الرجالي هو نفسه، عبر ذلك، عالم السلطة والمراتب. وكلاهما، أي السلطة والمراتب، ينزعان إلى تكثيف ومركزة الحكم نحو بُنى أكثر ذكورية، وهذا لا يعدو أن يردد ما سبق أن كتبه القديس أوغسطين قبل عشرة قرون «من نظام الطبيعة، لدى البشر، أن تخضع النساء للرجال والأطفال للأبوين. لأنه من الحق أن يخضع العقل الأضعف للعقل الأقوى»(10).
من الملاحظ أن هؤلاء السادة، بحكم عجزهم عن الاستشهاد بمثال يسوع الناصري في الموضوع، يقومون بتكديس هذا الخليط عن «الطبيعة» و«العقل» و«الحق» و«العدل» و«القوة». وباختصار، تختتم «فرانس كيريه» قائلة: «هكذا تظل حواء المغوية ومريم الأم الأليمة...» إن ذلك يسجن المرأة ضمن تناقض غريب.
لا شك أنه لا جدوى من استرجاع تاريخ بعيد في القدم لو لم يكن يوجه مواقف الكنيسة حتى يومنا هذا.

الصفحات