أنت هنا

قراءة كتاب مستقبل المرأة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مستقبل المرأة

مستقبل المرأة

لقد سُجنت المرأة الإغريقية في الخدر، ومُنعت من المشاركة في الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية للمدنية. وباستثناء بعض المحظيات ومومسات «المجتمع الراقي» وهي حالات نادرة جداً، تسود القاعدة التي عبر عنها سقراط نفسه بقوله «السياسة للرجال والمنزل للنساء».

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

فباسم هذه المغالطات التي لا تدين بشيء إلى الإنجيل، وتدين بكل شيء لمسبقات مجتمع أبوي، لا تزال الكنيسة، الكاثوليكية على الأقل، تمنع عن المرأة تولي مهام الكهانة، كما لو أن نقصاً ما ورائياً حقيقياً يرخي عليها ثقله. وتبقى جزافاً كلمة القديس بولس «لم يعد من يهودي أو إغريقي ولا عبد أو إنسان حرٍّ ولا رجل أو امرأة. لقد أصبحتم كلكم متحدين في يسوع المسيح» (غوليات ـ 3 ـ 27 ـ 28) (من الحقيقة أن هذه الكلمة تتعارض مع كل كتاباته الأخرى حيث يدعو العبيد والنساء إلى الخضوع لأسيادهم وأزواجهن).
وباسم نفس المغالطات، يتم الحفاظ على عزوبة الكهنة، ويتم تناسي المبرر التافه لمثل هذا التقليد الذي لا يوجد له أي منبع إنجيلي، بل يعود إلى قلق الكنيسة الجشع، بين القرنين الرابع والتاسع، من أن تفلت من يديها أملاكها وأراضيها بفعل الإرث والخلافات العائلية. هكذا ثبّت مجمع «لا تران» في 1139م هذه الضمانات حول الأملاك الكنسية، كما لو أن التبتّل ليس إلهاماً إلهياً بل شرطاً مسبقاً إجبارياً يصبح الكهنوت بدونه مستحيلاً(11).
باسم نفس المغالطات أيضاً يتدخل المجتمع البابوي بغرابة، مدّعياً الدفاع عن الحياة بشكل فعلي وحاسم عندما يتعلق الأمر بالوصاية على حياة النساء، في حين لا يتجاوز حدوداً عامة وضبابية لا أثر حقيقي لها عندما يتعلق الأمر بما يقوم به النظام الرجالي من تدمير للحياة.
ليس علينا هنا إلا أن نذكر الأمثلة الأقرب عهداً:
عندما طرحت مسألة (أو عندما أصبح ممكناً تقديم إجابة فعلية) الاعتراف للمرأة بحق تحديد وتنظيم الإنجاب والأمومة، صدرت سنة 1968 دورية عن الفاتيكان «هوماني جنريس: التكاثر الإنساني» لتشير إلى ضرورة «احترام قوانين الطبيعة» لمنع تنظيم النسل (كما لو كان ذلك مهمة كنسية) تماماً مثلما حرّم أحد البابوات الآخرين، منذ قرن ونصف، التلقيح ضد الجدري باعتبار أنه خرق لقوانين الطبيعة وإرادة الله. إن هذا النوع من التحريم يؤدي بكل بساطة إلى التسليم لهوى الرجل ورغباته بحق فرض الإنجاب وتوقيته وعدد مرّاته على شريكته.
لقد كان الأمر مماثلاً بالنسبة لتشريع الإجهاض: حيث اتهم أولئك الذين أرادوا تخفيف عواقب هذه الممارسة بأنهم يدعون للإجهاض كهدف، في حين أنه ليس في الحقيقة إلا أخف ضررين، دون الأخذ بعين الاعتبار كل التشويه والآثار التي تحدثها الإجهاضات السريّة على أجساد النساء، في حين أن عددها سيكون حتماً أقل بكثير لو لم يكن يحارب ضبط الولادات بشكل أعمى ولا مسؤول.
لم يختلف الأمر أيضاً بالنسبة للطلاق: لقد ألقت الكنيسة الإيطالية خصوصاً بكل قواها في هذه المسألة، بدءاً من المقام البابوي إلى الأساقفة. وعاقبت الكهنة الذين أدانوا مع «دون فرانزوني» هذا الرياء. فمرة أخرى، يتوجه هذا التحريم ضد النساء حصراً: فملايين الرجال يتركون زوجاتهم ويعيشون بشكل غير مشروع مع نساء أخريات (لقد كانت إيطاليا البلد الذي يشيع فيه أكثر وضع «القيّمة»(12) في بيوت الرجال العازبين). إن الوقوف ضد الطلاق يحرم المرأة، إذن، من كل مساندة قانونية ضد نزوات الرجل وهيمنته، وحتى من كل نفقة مادية تسمح لها بتربية أطفالها عند ترك الرجل لها.
من حسن الحظ أن الاستفتاء الشعبي قد هزم الكنيسة في هذه المواجهة، لكن ذلك لم يمنعها من مواصلة صراعها ضد الشرعية الوطنية وضد قانون أقره الشعب الإيطالي بأغلبيته العظمى.
إنه لمفهوم غريب «للدفاع عن الحياة» في حين أن السلطات الكنسية الإيطالية لم تكن بمثل هذه الجرأة في «الدفاع عن الحياة» بمفهوم أكثر اتساعاً. كـ «الدفاع عن الحياة» ضد الحرب.
منذ خمسة عشر قرناً، منذ عهد قسطنطين، لم تصدر دعوة حازمة لمنع حمل السلاح واستعماله. على العكس من ذلك، صُنِعَتْ إيديولوجيا كنسية حول «الحرب العادلة» (كما لو أن أحداً من أولئك الذين يمارسون الحرب قد امتنع عن الادعاء بعدالة حربه) في حين أن روما البابوية لم تحاول أبداً بناء «إيديولوجيا» «ثورة عادلة» كموقف ضد أقصى درجات التعسف والعنف المؤسساتي والبنيوي.
بل إن الكنيسة تعودت حتى مباركة السلاح، أو على الأقل نوعاً معيناً منه: مثلاً، فِرَقُ موسوليني التي أرسلت إلى أثيوبيا، أو فرق النازية الهتلرية عندما أعلنت الأسقفية الألمانية المجتمعة في «فولدا» بتاريخ 24 كانون أول 1936 «لقد أدرك الزعيم ومستشار الرايخ، أدولف هتلر، خطر تقدم البلشفية الشيوعية في الوقت المناسب. لقد نذر نفسه بالكامل لإبعاد هذا الخطر الرهيب عن شعبنا الألماني وعن الغرب. إن الأساقفة الألمان يعتبرون من واجبهم مساندة زعيم الرايخ في هذا النضال، بكل الوسائل التي يملكونها في المجال الديني».

الصفحات