أنت هنا

قراءة كتاب مستقبل المرأة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مستقبل المرأة

مستقبل المرأة

لقد سُجنت المرأة الإغريقية في الخدر، ومُنعت من المشاركة في الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية للمدنية. وباستثناء بعض المحظيات ومومسات «المجتمع الراقي» وهي حالات نادرة جداً، تسود القاعدة التي عبر عنها سقراط نفسه بقوله «السياسة للرجال والمنزل للنساء».

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

لكن لم يوجد، بالعكس، أي بابا لمعارضة مجزرة «أشفتيز» والمخاطرة بحياته فيها.
كذلك بورك سلاح الفاشيين الفرانكيين، وبارك الكاردينال «سيلمان» سلاح الغزاة الأمريكان في فيتنام، وأطلق على فرق القتال لقب «جنود المسيح» دون أن يصدر أي احتجاج عن كنيسة روما».
ولم تصدر أية إدانة، ولو خفيفة، لدكتاتوريات القمع في أمريكا اللاتينية وإيديولوجيتها السوداء حول «أمن الدولة»، والتي مارست أعتى المجازر.
أين يذهب «الدفاع عن الحياة» المتحمس حول الإجهاض كما لو أن الإنسان وحياته ليسا جديرين بالاحترام المطلق إلا في الحالة الجنينية، ويفقدان هذا الحق بعد بلوغ النضج؟ هل قتل الأطفال لا يعود جريمة إذا ما تأجل سنوات حتى عمر الجندية؟
لو أن الكنيسة كرست جهداً وتحريماً حاسماً مماثلين ـ بنفس الدقة والوضوح لإدانة عنف الاعتداءات العسكرية والديكتاتوريات الدموية ـ لما أطلقته من تحريمات ضد تنظيم الإنجاب والإجهاض والطلاق «للدفاع عن الحياة»، لو كان ذلك لأمكن الوعي بشكل أوسع بأخطار المجازر النووية وآلاف ضحايا الحروب «التقليدية» التي قضت على خمسةٍ وثلاثين مليون نسمة منذ 1945، وإلا كان ثبت عجز الكنيسة عن «الدفاع عن الحياة».
إن ما يبقى هو المثابرة على نزع حق التحكم في أجسادهن من النساء اللواتي يصنعن الحياة، وفن الحديث الأجوف التافه عندما يجب التوجه إلى النظام الرجالي صانع الحرب والدكتاتورية، مدمر الحياة.
لكن حين فقدت الدوغمائية نفوذها انطلق بعضهم، بعيداً عن الدين، يبحثون عن قرائن وبراهين حول ضرورة بقاء المرأة في «سياجها المنزلي» وطلبت النجدة من العلوم الطبيعية التي قدمت البرهان أن الأنثى، من الطيور إلى القرود، تحرس العش، بينما يصطاد الذكور. فالزعم إذن هو أن «حراسة العش» مهمة «أنثوية» خصوصية بينما يظل الصراع من أجل غنم المكتسبات الثمينة حكراً على الرجل.
من الغريب أن علماء الأنثروبولوجيا(13) والإتنولوجيا(14) نزعوا إلى دراسة قبائل الأمازون أو سكان غابات استراليا بدل دراسة الآليات الفعلية لمجتمعاتنا ذاتها. وأسقطوا بكل دقة المسبقات الخصوصية لمجتمعاتنا في «تفسير» المجموعات البشرية التي راقبوها من الخارج بأبوية متعاطفة، لذلك اكتشفوا فيها، بالطبع، تأكيداً لفرضياتهم الغريبة الموروثة.
وقد أضاف الفلاسفة حبة ملح من عندهم عندما قارنوا المرأة التي تقوم بمهمة الإنجاب، أي تكاثر العالم الموجود، بالرجل الذي يقوم بوظيفة الإنتاج النبيلة، مصدر كل «تقدم» بشري وكل تطور.
لقد التقط الاقتصاديون، بالاعتماد بمهارة على التمييز بين العمل المنتج و«غير المنتج» هذه الرؤية الفلسفية. هكذا تم بأعجوبة تجميع أصحاب العمل والمأجورين تحت اسم «العمال المنتجين» ضمن فئة واحدة للذين يساهمون في «النمو»، وصُنفت «المرأة في المنزل» «كغير منتجة» بالطبع.
يمكننا الاستمرار في تقديم الأمثلة الكثيرة لهذه الأيديولوجيات التبريرية، لكن يبدو لنا أكثر جدوى أن نستكشف المصادر التي تنبع منها.
منذ أن احتل اقتصاد السوق مكان اقتصاد المعيشة، لم يتوقف موقع المرأة في المجتمع عن التراجع على جميع مستويات الحياة الاجتماعية.
ليس ذلك ظاهرة اقتصادية فحسب، بل سياسية وثقافية أيضاً: لقد أصبح المجتمع ازدواجياً. وحصل انفصال بين دائرة الحياة المنزلية ودائرة الحياة السياسية.
إذّاك، اكتسب «تقسيم العمل» القديم العهد، عنفواناً جديداً، نابذاً المرأة، ضمن عالم العلاقات الداخلية، إلى البيت. إن المرأة، أمُّ لنوع حيواني يختلف عن غيره من الحيوانات، من حيث أنه يظل عاجزاً، لفترة طويلة جداً، عن الحياة بشكل مستقل. لذلك يبقى مرتبطاً بأمه لمدة طويلة، مما يجعلها مرتبطة به خلال تلك المدة.
مادام القسم الأساسي من وسائل المعيشة ينتج في المنزل، فإن التفاوت مع الرجل يظل ضعيفاً نسبياً، لكن عندما يصبح التبادل التجاري، المظهر السائد للاقتصاد، وعندما يخلق ضبط وتوجيه هذه المبادلات آليات معقدة من الإدارة والتنظيم السياسي وتنويع وتوسع المعارف، تصبح كل هذه الأدوات الجديدة الإدارية والتوجيهية نوعاً من الامتيازات الرجالية، فلا يغدو الاقتصاد التجاري ثم الصناعي فحسب، إذّاك، حِكْراً على الرجال. بل أيضاً: السياسة، وقوى الأمن والجيش والثقافة والمراتب الاجتماعية. انطلاقاً من هذه السلطات وما ينبع عنها من مواجهات ومنافسات، وحتى من «القيم الأخلاقية» التي يُنتجها النظام، تهيمن «قيم» تُعتبر، عبر ذلك «رجولية» (مادام الرجال هم الذين يمارسونها) منها القوة والعنف والنجاح الناجم عن الانتصار على الأضعف. إن «المجد» هو الانتصار بسحق الخصم سواء تعلق الأمر بالحرب أو الاقتصاد أو السلطة. هكذا يتراكب عالمان: عالم خارجي، عام، رجالي تسيطر فيه القوة، وعالم داخلي، منزلي، أنثوي تحكمه «الخدمة».
إن كل أنواع الهيمنة الطبقية أو العرقية أو الملكية أو المرتبية، هي في جوهرها، هيمنة أساسية، أكثر عمقاً وشمولية، للرجل على المرأة.

الصفحات