أنت هنا

قراءة كتاب مستقبل المرأة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مستقبل المرأة

مستقبل المرأة

لقد سُجنت المرأة الإغريقية في الخدر، ومُنعت من المشاركة في الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية للمدنية. وباستثناء بعض المحظيات ومومسات «المجتمع الراقي» وهي حالات نادرة جداً، تسود القاعدة التي عبر عنها سقراط نفسه بقوله «السياسة للرجال والمنزل للنساء».

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

الحركة النسائية

لم يكن إعلان حقوق الإنسان سوى إعلان لحقوق الرجال؟ من هذا الكشف انطلقت الحركة النسائية، منذ حوالي قرنين.
منذ سنة 1791 نشرت «أولمب دي غوج» «إعلان حقوق المرأة والمواطنة،(17) لكن لم يكن، بين الرجال، من يطالب بحق النساء في التعليم وممارسة السياسة وتولي الوظائف العامة، سوى «كوندرسيه»(18).
في سنة 1793 اعترضت، مجموعةٌ من النساء، على رأسهن «أولمب دي غوج» و«روز لاكومب» على «الإعلان» الشهير، بالبنود السبعة عشر المتضمّنة في «حقوق النساء» وسّلمنها إلى كومونة باريس. لقد كان ـ في 20 تشرين ثاني 1793 ـ الرد على قرار اتفاقية 17تشرين أول وذلك بإغلاق كل «الأندية النسائية»(19).
انطلقت «حقوق المرأة» من المبدأ التالي «إن كان للمرأة الحق بالصعود إلى المقصلة، فيجب أن يكون لها أيضاً حق الصعود إلى المنبر»... وفيما يخص المقصلة فقد حصلن على تلبية كاملة إذ أعدمت «أولمب دي غوج» في تشرين الثاني.
ذلك، رغم أن النساء كنّ منذ بدء الثورة الفرنسية «في طليعة الثورة» كما كتب «ميشليه». لم يكنّ مشاركات فحسب، بل كنّ شعلة كل الأيام التاريخية التي رسمت وقع مراحل انتصار العالم الجديد.
لكن حقوق الإنسان كانت تتضمن مبدأ نفي: فهي تحدد جيداً وبدقة حقوق الذكر الأبيض والمالك. تماماً، كما لم يُلْغِ إعلان الاستقلال الأمريكي الرق (كخرق فاضح للمبادئ، وقد أطلق عليه باحتشام اسم «المؤسسة الخاصة») بعد أن أكد بقوة تساوي كل الكائنات البشرية أمام الله، كذلك، بعد إعلان المجلس أن «كل الناس يولدون أحراراً ومتساوين في الحقوق»، أكد تملك مستعمري «الأنتيل» لعبيدهم السود، ولم يعترف للنساء، لا بملكية أملاكهن، ولا بحق التصويت، ولا بتولي الوظائف القيادية في أي مجال. هكذا، ولمرة أخرى، يُبنى النظام الجديد تحت سيادة السلطة الذكرية على البشرية ولأجلها. ويبقى لذلك مشوّهاً في بنيته وفي حضارته.
رغم ذلك، استكشف «بواسيل» في ما أسماه «جوريس» التظاهرة الاشتراكية الأولى للديمقراطية»، المستقبل الذي تحمله النساء في حركتهن، وأدان في كتابه «عقيدة النوع البشري» المنشور في 1789 والذي تصاعدت شهرته في 1793، مبدأ النفي الذي حمل في ذاته تقنين الملكية البورجوازية. لم يكن في المرأة قاعدة ارتكاز كل تقدم بشري فحسب، بل، أيضاً، القوة التي تفجّر حدود المبدأ الديمقراطي للبورجوازية: إن الملكية تولد الأنانية والمنافسة بينما تعلن حركة النساء قطيعة فعلية مع «شهية الربح والطموح». كان يوجد، هناك، بذرة اشتراكية تمتد بديمقراطية شاملة إلى الاقتصاد والثقافة وإلى السياسة أيضاً، بحيث تمثل، حسب قوله، اكتمال وعود الثورة الفرنسية.
لقد كان القرن التاسع عشر قاتلاً، أكثر من غيره، بالنسبة للنساء. ومن تمكّن منهن من الكلام، كتبن مؤلفات، تمثل عناوينها ذاتها صرخات ألم وحنق من «ارتحالات منبوذة» (1838) لـ «فلورا تريستان» إلى «ذكريات ميتة ـ حية» لـ «فيكتورين بروشر» (تأخر نشر كليهما إلى سنة 1906). طوال ذلك القرن نشاهد الحركة نفسها: تساهم النساء، في الصف الأول، في تصاعد الحركة العمالية، من إنشاء «فلورا تريستان» للاتحادات العمالية، حتى كومونة باريس التي كانت «لويز ميشال» من أبرز وجوهها القيادية، ولكن، دون أن تتاح الفرصة أبداً لهن، كنساء، لتحقيق أهدافهن، رغم أنها كانت تتجاوز أهداف الحركة التي دفعن حياتهن من أجلها.
لقد وضعت «فلورا تريستان» في مقدمة أحد مؤلفاتها، مقولة «فورييه»: «يتحقق التقدم الاجتماعي وتغيرات المرحلة تبعاً لتقدم النساء نحو الحرية.. إن توسع امتيازات النساء هو المبدأ العام لكل أنواع التقدم الاجتماعي».
لا يتعلق الأمر أبداً بوضع المساهمة الرجالية، وما يمكن أن يصبح مشاركة نسائية في بناء المجتمع والحياة، على طرفي نقيض وكأنهما متعارضان، بل نقصد إثبات إمكان تكاملهما، وما يمثله عزل النساء عن المساهمة في إبداع الحضارة والمدنية، من إفقار للتراث البشري.
لنحددْ ذلك لمرة حاسمة وأخيرة: كلما عارضنا في هذه الدراسة بين سلوكيات نسائية ورجالية، فإننا لا نقصد بذلك اختلافات بيولوجية ولا ميتافيزيقية، بل تاريخية. لا توجد «طبيعة» أو «جوهر» خصوصيان للمرأة ولا للرجل، في أي حال. فالمرأة، مثل الرجل تماماً، لها تاريخ. فكما كتبت «سيمون دي بوفوار»: «لا يولد إنسان امرأةً، بل يصبح كذلك»، إلا أن هذا التاريخ، أفقر الحضارة الإنسانية، منذ آلاف السنين. بإقصاء مُركّبه الأنثوي.
لأنه يوجد على المستوى التاريخي «نمط» ومقاربة، أنثويان نوعياً، لكل من المسائل: من الحياة الاقتصادية والاجتماعية إلى السياسة والثقافة والفنون ومن العلم إلى العقيدة.
لنقارن، مثلاً، مقاربتي «ماركس» و«فلورا تريستان» للمجتمع، في أواسط القرن التاسع عشر.
تربط «فلورا تريستان» مثلما يفعل ذلك ماركس، قضية التحرر النسائي بالتحرر العمالي»(20).

الصفحات