أنت هنا

قراءة كتاب مستقبل المرأة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مستقبل المرأة

مستقبل المرأة

لقد سُجنت المرأة الإغريقية في الخدر، ومُنعت من المشاركة في الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية للمدنية. وباستثناء بعض المحظيات ومومسات «المجتمع الراقي» وهي حالات نادرة جداً، تسود القاعدة التي عبر عنها سقراط نفسه بقوله «السياسة للرجال والمنزل للنساء».

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 10

إن ما يميز أسلوب عمل «لويز ميشال» السياسي، وما هو أنثوي نوعياً في هذا الأسلوب، هو العطاء الكامل والتفتح باتجاه الآخر. عندما نفيت إلى «كاليدونيا الجديدة» إثر سقوط كومونة باريس، كانت الوحيدة، من بين رفاقها، التي تعلمت لغة الكاليدونيين وجمعت أغانيهم وأشعارهم وترجمتها، وكانت تنتقل من السرد إلى الشعر، لتنقل إلينا بشكل حساس ومباشر ما لا يمكن التعبير عنه بأسلوب آخر: «الحق في أن نكون ذواتنا وأن نعبّر عمّا نُحِسَ»(23). وهي تبثّ، عبر كامل حياتها المأساوية والمتمردة، أملها الأقصى «خذوا مصائرنا المحطمة لتصنعوا منها شروقاً».
لا أعيد رسم حياة هؤلاء النساء بهدف التلذذ باستدعاء التاريخ، بل أقصد، على مستوى النضالات، محاولة إبراز المكوّن الأنثوي الذي حرمت الحركة الثورية منه نفسها، منذ قرنين، على حساب هذه الحركة ذاتها، والتي أصيبت لذلك بنقص شديد.
لقد كان المثال الأكثر توهّجاً، في القرن العشرين، هو «روزا لوكسمبرغ» التي قدمت تحليلات وانتقادات أنثوية نوعياً، حين اعترضت على نظرية تنظيم الحزب لدى لينين وهي التي تقر بعظمته السياسية.
لقد عارضت ما رأته مفهوماً ميكانيكياً للتناقض بين طبقة عمالية وحزب، عارضته بمفهوم «عضوي» وكتبت «لا يمكن أن تولد الاشتراكية إلا عبر صيرورة التاريخ الحي، تماماً مثل الطبيعة العضوية...»(24).
إن الوعي الطبقي، لا يصبح «حقيقياً وفاعلاً» إلا «عبر مدرسة الأحداث، الحية»(25) إلا أن «نبع التجربة السياسية أنضب» «بسحق الحياة العامة»(26).
إن ديكتاتورية البروليتاريا لا يمكن أن تكون «دولة رأسمالية معكوسة». «لأنه لا ضرورة لتكوين مجموع الشعب سياسياً حتى تتمكن الطبقة البورجوازية من ممارسة هيمنتها... في حين أن ذلك هو العنصر الحيوي في ديكتاتورية البروليتاريا وهو النَّفَسُ الذي لا يمكن أن تعيش من دونه».
إن التجربة هي الوحيدة التي تتيح التصحيحات وانفتاح آفاق جديدة. ولتحقيق ذلك لا بد من صحافة حرة ومن إحياء الجمعيات والاجتماعات حتى «تشعر مجالس العمال والجنود بأنها مَدْعُوَّةً لتصبح القوة الاجتماعية الوحيدة وتتعلم أن تكون كذلك»(27).
«فالحياة الفوّارة، ودون عراقيل، وحدها، تنعكس إلى ألف شكل جديد وألف ارتجال، فتضيء الطاقة المبدعة، وتصحح بنفسها كل الأخطاء»(28).
يصعب، دون شك، في يومنا هذا، التحدث عن الإخلاص اللا محدود والذكاء اللامع اللذين، تقرُّ بهما روزا لوكسمبرغ، عن حق، للينين وتروتسكي ورفاقهما... إلا أن تقييمها الشامل لمفهوم كهذا للحزب والدولة ـ وهو تقييم لا علاقة له بالإصلاحية السطحية لأمثال «برنشتاين» و«كاوتسي» ولا بالحقد الحيواني للمحافظين والرجعيين من كل الآفاق على كل تجربة ثورية أو اشتراكية ـ إن هذا التقييم ليبدو لنا اليوم بكامل قوته التنبؤية.
ونجد، تحقيقاً لذلك، في 1980، في شهادة، يتجلى عمقها الإنساني، لمناضلة من العالم الثالث، هي الهندية البوليفية «دوميتيلا باريوس دي شونغارا» التي لم تقرأ أبداً لروزا لوكسمبرغ، ولا حتى، على الأرجح لماركس أو لينين، والتي تكتشف نفس الحقيقة الجوهرية انطلاقاً منتجربتها، كامرأة مناضلة: «لقد حصلت على وعي سياسي... رغم ذلك يدّعي الكثير من الناس، أن هذا الوعي لا يمكن أن يتم إلا عبر حزب. بالنسبة لي، كان ذلك، ثمرة تجربة شعب، وتجاربي ذاتها، وبعض الكتب التي تمكّنت من قراءتها»(29).
وهي تطلق، انطلاقاً من ذلك، تقييماً واضحاً حول مختلف أشكال العمل السياسي بما في ذلك الحركة النسائية.
فكما أنها رفضت تحوير نشاطها باسم «نظريات ثورية» مجردة، صيغت في ظروف تاريخية مختلفة، هي ظروف الغرب، لا تنحني، دون نقد، أمام نظريات رجال العصابات الذين يدّعون خلق بؤر ثورية، خارج نضج عميق ينطلق من تجربة الشعب ذاته. فهي، مع إقرارها ببطولة «شيء غيفارا» وتجرده هو ورفاقه، لا تتردد كمناضلة في مناجم بوليفيا في القول «يبدو لي أن رجال العصابات ارتكبوا خطأ عدم إشراك الشعب بشكل كاف»(30).
كذلك، ضمن مداخلتها في مكسيكو سنة 1976 في مؤتمر السنة الدولية للمرأة، استغربت الموقع المكرّس للجنسية المثلية النسائية أو لمسائل أخرى «فعلية لكنها ليست جوهرية»(31)، دون أن تتجاهل أهمية هذه المسائل. لقد احتجت، هذه المرأة المنتمية للعالم الثالث ضد تلك اللواتي «يرين في ضبط الولادات حلا لقضايا الجوع» وأكثر من ذلك ضد اللواتي اقترحن «إن كان للرجل حق التمتع بعدد من النساء، ليس على المرأة إلا أن تتمتع بعدد من الرجال هي أيضاً» تحت تبرير المساواة(32).
تقص دوميتيلا بكثير من المرح حوارها مع رئيسة الوفد المكسيكي «إنك كل صباح، تُقْبلين بفستان جديد... متبرجة وبتسريحة جديدة، وهذا يدل على أن لديك الوقت للذهاب إلى صالون تجميل، ولديك المال لإنفاقه.. لديك، في كل مساء، سائق يوصلك إلى بيتك... أما نحن، نساء عمال المناجم، فلا نملك إلا شقة صغيرة مستأجرة... فما علاقة وضعي بوضعك؟... إذن بالنسبة لك، الحل هو الصراع ضد الرجل؟ وذلك كل شيء؟ إلا أن ذلك ليس الحل الرئيسي بالنسبة لنا، لا... قلت كلّ هذا، يدفعني الغضب، ثم نزلت» وتختم دوميتيلا قائلة: «أعتقد أنه كان مهماً لي أن ألاحظ، مرة أخرى بمناسبة هذا الاتصال بأكثر من خمسة آلاف إمرأة من كل بلاد العالم، أن مصالح البورجوازية لا علاقة لها إطلاقاً بمصالحنا».
لا يعني هذا، إطلاقاً، أن النساء ليس لهن قضايا نوعية، بل يعني ببساطة وحتمية، أن هذه القضايا لا يمكن فصلها عن كل قضايا التحرر الأخرى، وأن قمع النساء عموماً، يأخذ أشكالاً مختلفة حسب الطبقات الاجتماعية، يقول «كلود الزون» بقدر ما نصعد درجات المجتمع يقل استغلال المرأة، لكن بالمقابل، تزداد الهيمنة التي تمارس عليها»(33).
ذلك ما يعلل مشاركة الحركات النسائية، والنساء النشطات، في كل النضالات الاجتماعية في الصفوف الأولى.

الصفحات