أنت هنا

قراءة كتاب الفتاوى الكبرى الجزء الرابع عشر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الفتاوى الكبرى الجزء الرابع عشر

الفتاوى الكبرى الجزء الرابع عشر

كتاب "الفتاوى الكبرى" - الجزء الرابع عشر، يضم بأجزاءه فتاوى الإمام ابن تيمية في أغلب المسائل الشرعية، حيث يجد فيه المسلم ضالته في الإجابة على كثير من التساؤلات التي تعترضه في أموره الدينية والدنيوية، والتي من خلال هذه الفتاوى يسير على هدي الكتاب والسنة، واج

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
دار النشر: ektab
الصفحة رقم: 4
وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِقِصَّةِ يُوسُفَ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ لِلْإِنْسَانِ التَّوَصُّلُ إلَى أَخْذِ حَقِّهِ مِنْ الْغَيْرِ بِمَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَيْهِ بِغَيْرِ رِضَاءِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ .
 
وَهَذِهِ الْحُجَّةُ ضَعِيفَةٌ فَإِنَّ يُوسُفَ لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ حَبْسَ أَخِيهِ عِنْدَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْأَخُ مِمَّنْ ظَلَمَ يُوسُفَ حَتَّى يُقَالَ قَدْ اقْتَصَّ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا سَائِرُ الْإِخْوَةِ هُمْ الَّذِينَ قَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ ، نَعَمْ كَانَ تَخَلُّفُهُ عِنْدَهُ يُؤْذِيهِمْ مِنْ أَجْلِ تَأَذِّي أَبِيهِمْ وَالْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِمْ وَقَدْ اسْتَثْنَوْا فِي الْمِيثَاقِ إلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ وَقَدْ أُحِيطَ بِهِمْ وَيُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ بِاحْتِبَاسِ أَخِيهِ الِانْتِقَامَ مِنْ إخْوَتِهِ فَإِنَّهُ كَانَ أَكْرَمَ مِنْ هَذَا وَكَانَ فِي ضِمْنِ هَذَا مِنْ الْإِيذَاءِ لِأَبِيهِ أَعْظَمُ مِمَّا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ إخْوَتِهِ وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ لِيَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ، وَيَتِمَّ الْبَلَاءُ الَّذِي اسْتَحَقَّ بِهِ يَعْقُوبُ وَيُوسُفُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ كَمَالَ الْجَزَاءِ وَتَبْلُغُ حِكْمَةُ اللَّهِ الَّتِي قَضَاهَا لَهُمْ نِهَايَتَهَا ، وَلَوْ كَانَ يُوسُفُ قَصَدَ الِاقْتِصَاصَ مِنْهُمْ بِذَلِكَ فَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ الْخِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَهُ أَنْ يُعَاقِبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ .
 
وَإِنَّمَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَرِّقَ ، أَوْ أَنْ يُخَوِّنَ سَرِقَةً أَوْ خِيَانَةً مِثْلَمَا سَرَّقَهُ إيَّاهُ ، أَوْ خَوَّنَهُ إيَّاهُ .
 
وَلَمْ تَكُنْ قِصَّةُ يُوسُفَ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ ، نَعَمْ لَوْ كَانَ يُوسُفُ أَخَذَ أَخَاهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَكَانَ لِهَذَا الْمُحْتَجِّ شُبْهَةٌ .
 
مَعَ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَيْضًا فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَجُوزُ فِي شَرْعِنَا بِالِاتِّفَاقِ أَنْ يُحْبَسَ رَجُلٌ بَرِيءٌ وَيُعْتَقَلَ لِلِانْتِقَامِ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ جُرْمٌ .
 
وَقَدْ بَيَّنَّا ضَعْفَ هَذَا الْقَوْلِ فِيمَا مَضَى ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا
 
فَيُوشِكُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَمَرَهُ بِاعْتِقَالِهِ وَكَانَ هَذَا ابْتِلَاءً مِنْ اللَّهِ لِهَذَا الْمُعْتَقَلِ .
 
كَأَمْرِ إبْرَاهِيمَ بِذَبْحِ ابْنِهِ وَتَكُونُ حِكْمَتُهُ فِي حَقِّ الْمُبْتَلَى امْتِحَانَهُ وَابْتِلَاءَهُ لِيَنَالَ دَرَجَةَ الصَّبْرِ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَالرِّضَا بِقَضَائِهِ .
 
وَيَكُونُ حَالُهُ فِي هَذَا كَحَالِ أَبِيهِ يَعْقُوبَ فِي احْتِبَاسِ ، يُوسُفَ عَنْهُ .
 
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ بَيِّنٌ يُعْلَمُ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ وَمِنْ حَالِ يُوسُفَ وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : { كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } فَإِنَّ الْكَيْدَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ نَحْوُ مَنٍّ وَقَدْ نَسَبَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إلَى يُوسُفَ كَمَا نَسَبَهُ إلَى نَفْسِهِ فِي قَوْلِهِ : { إنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا } وَكَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : { أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَاَلَّذِينَ كَفَرُوا هُمْ الْمَكِيدُونَ } وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِك الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاَللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ فِي قِصَّةِ صَالِحٍ : { وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاَللَّهِ } إلَى قَوْلِهِ : { وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ، فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ } : الْآيَةَ .

الصفحات