كتاب "الفتاوى الكبرى" - الجزء الرابع عشر، يضم بأجزاءه فتاوى الإمام ابن تيمية في أغلب المسائل الشرعية، حيث يجد فيه المسلم ضالته في الإجابة على كثير من التساؤلات التي تعترضه في أموره الدينية والدنيوية، والتي من خلال هذه الفتاوى يسير على هدي الكتاب والسنة، واج
أنت هنا
قراءة كتاب الفتاوى الكبرى الجزء الرابع عشر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
وَمَنْ احْتَالَ بِعَمَلٍ هُوَ مُبَاحٌ فِي نَفْسِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَبَاحَهُ الشَّارِعُ فَهَذَا جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُبَاحُ لَهُ مَا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَى الْإِطْلَاقِ مِثْلُ الْخِيَانَةِ وَالْغُلُولِ ، أَوْ يُبَاحُ لَهُ فِعْلُ الْمُبَاحِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ مِثْلُ الْحِيَلِ الرِّبَوِيَّةِ ؟ يُوَضِّحُ ذَلِكَ : أَنَّ نَفْسَ الْأَحْكَامِ مِثْلُ إبَاحَةِ الْفِعْلِ لَا يَجُوزُ أَنْ تُسَمَّى كَيْدًا .
وَإِنَّمَا الْكَيْدُ فِعْلٌ مِنْ اللَّهِ ابْتِدَاءً ، أَوْ فِعْلٌ مِنْ الْعَبْدِ يَكُونُ الْعَبْدُ بِهِ فَاعِلًا ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْحِيَلِ الشَّرْعِيَّةِ - وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي مَعْنَى الْكَيْدِ إنَّمَا انْضَمَّ إلَيْهِ مَعْرِفَةُ الْأَفْعَالِ الَّتِي فَعَلَهَا يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَالْأَفْعَالِ الَّتِي فَعَلَهَا اللَّهُ لَهُ تَيَقَّنَ اللَّبِيبُ أَنَّ الْكَيْدَ لَمْ يَكُنْ خَارِجًا عَنْ إلْهَامِ فِعْلٍ كَانَ مُبَاحًا ، أَوْ فِعْلٍ مِنْ اللَّهِ تَمَّ بِهِ ذَلِكَ الْفِعْلُ ، وَأَنَّ حَاجَةَ يُوسُفَ لَمْ تُبِحْ لَهُ فِعْلَ شَيْءٍ كَانَ حَرَامًا عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي الْجُمْلَةِ قِيلَ ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
النَّوْعُ الثَّانِي : مِمَّا ظَنَّ الْمُحْتَالُونَ أَنَّهُ مِنْ الْحِيَلِ سَائِرُ الْعُقُودِ الصَّحِيحَةِ فَقَالُوا : الْبَيْعُ احْتِيَالٌ عَلَى حُصُولِ الْمِلْكِ ، وَالنِّكَاحُ احْتِيَالٌ عَلَى حُصُولِ حِلِّ الْبُضْعِ ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْخَلْقُ وَهُوَ احْتِيَالٌ عَلَى طَلَبِ مَصَالِحِهِمْ الَّتِي أَبَاحَهَا اللَّهُ لَهُمْ - وَقَالَ قَائِلُهُمْ : الْحِيلَةُ هِيَ الطَّرِيقُ الَّتِي يَتَوَصَّلُ بِهَا الْإِنْسَانُ إلَى إسْقَاطِ الْمَآثِمِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَالَ آخَرُ : هِيَ مَا يَمْنَعُ الْإِنْسَانَ مِنْ تَرْكٍ ، أَوْ فِعْلٍ لَوْلَاهَا كَانَ يَلْزَمُهُ مِنْ غَيْرِ إثْمٍ ، ثُمَّ قَالُوا : وَهَذَا شَأْنُ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ الْمُبَاحَةِ ، وَقَالُوا : قَدْ { قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَامِلِهِ عَلَى خَيْبَرَ بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا } ، فَلَمَّا كَانَ مَقْصُودُهُ ابْتِيَاعَ الْجَنِيبِ بِجَمْعٍ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ الْجَمْعَ ، ثُمَّ يَبْتَاعَ بِثَمَنِهِ جَنِيبًا فَعَقَدَ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ لِيَتَوَسَّلَ بِهِ لِلْعَقْدِ الثَّانِي .
قَالُوا : وَهَذِهِ حِيلَةٌ تَضَمَّنَتْ حُصُولَ الْمَقْصُودِ بَعْدَ عَقْدَيْنِ فَهِيَ أَوْكَدُ مِمَّا تَضَمَّنَتْ حُصُولَهُ بَعْدَ عَقْدٍ وَاحِدٍ .
وَأَشْبَهَتْ الْعِينَةَ فَإِنَّهُ قَصَدَ أَنْ يُعْطِيَهُ دَرَاهِمَ ، فَلَمْ يُمْكِنْ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَعَقَدَ عَقْدَيْنِ بِأَنْ بَاعَ السِّلْعَةَ ثُمَّ ابْتَاعَهَا ، وَالْحِيَلُ الْمَعْرُوفَةُ لَا تَتِمُّ غَالِبًا إلَّا بِأَنْ يَنْضَمَّ إلَى الْعَقْدِ الْآخَرِ شَيْءٌ آخَرُ مِنْ عَقْدٍ آخَرَ .
أَوْ فَسْخٍ ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ .