أنت هنا

قراءة كتاب زوربا البرازيلي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
زوربا البرازيلي

زوربا البرازيلي

كتاب " زوربا البرازيلي " ، تأليف جورج أمادو ترجمه إلى العربية ممدوح عدوان ، والذي صدر عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

مقدمة بقلم ممدوح عدوان

هو ذا زوربا آخر، وهذه المرة من تقديم جورج أمادو.

اسم زوربا هنا بدرو أرشانجو.

وأظن أننا سنتذكر هذا الاسم طويلاً، بعد قراءة «خيمة المعجزات»، بقدر ما تذكرنا زوربا اليوناني الذي قدمه لنا كازانتزاكي.

بدرو أرشانجو مثل زوربا اليوناني محب للحياة وللنساء والخمرة والمغامرة.. والناس كلهم. الناس كلهم أهله وهو شاب ورجل، والناس كلهم أبناؤه وهو شيخ وعجوز. ويزيد المسألة ظرفاً وعمقاً أن يكون لهذا الكلام مضمون واقعي فعلي بمقدار ماله من دلالة رمزية وإيحائية: (قسم كبير من الأبطال أبناؤه فعلاً). ما يزيد في بدرو أرشانجو عن زوربا اليوناني أن أرشانجو معني بقضية محددة وليس معنياً في أن يعيش كما توجهه غرائزه ويغامر بحياته.. ولكن دون أن يحوله هذا إلى شخصية متجهمة أو دعائية. ذلك أن ارتباطه بهذه القضية جزء من ارتباطه بالحياة وبالتالي فالقضية ذاتها، تزيده حيوية وتزيدنا حباً له وارتباطاً به.

فهذه الرواية ـ إضافة إلى كونها رواية ممتعة ـ أعتبرها واحدة من أكثر الروايات التي قرأتها إمتاعاً. وهي، في الوقت ذاته، مرافعة فذة للدفاع عن الشعب البرازيلي ـ شعب باهيا تحديداً ـ وعن ثقافته وتقاليده وتراثه أمام هجمة «التأورب» والانسلاخ الثقافي والصَّغار أمام الغرب.

بهذا يتحول الدفاع عن رقصة شعبية أو أغنية أو موكب احتفالي قضية خطيرة تشبه، في خطورتها ومسؤولياتها ونتائجها وطريقة التعامل معها، قضية حمل السلاح ضمن تنظيم سياسي لقلب نظام الحكم. ويصبح الاختلاف في وجهات النظر حاداً ومرتبطاً بمنطق ومصلحة وقيم مما يؤدي حتماً إلى سفك الدماء. وإنني لمما يزيدني غبطة أن أقوم بنقل هذا الكتاب إلى العربية مساهمة متواضعة مني في التأكيد على هذه القيم وفي الدعوة إلى الحفاظ على الخصائص الوطنية أمام هجمة (الإنتاج بالجملة mass production) التي تتعامل بمنطق واحد مع المعلبات والأقمشة والأغذية والأبنية والشعوب والثقافات. هذه الهجمة تنطلق من مقولة واحدة وتؤكدها. وهي أنه يكفي مصدر واحد للإنتاج ـ الإنتاج الثقافي والمعرفي والسلوكي والغذائي والأمني والاحتفالي (وهو حتماً المصدر المعزز تكنولوجياً) وأنه ليس على بقية البشر إلا أن تستهلك وتتقولب في كل ما يتعلق بحياتها حسب متطلبات هذا الإنتاج ذاته، والذي صنع أصلاً بمقاسات أوروبية أمريكية. والطرف المنتج لا يكتفي بطاقاته التكنولوجية المنتجة بل هو ينتج إيديولوجياً على مقاس التكنولوجيا، وهذه الأيديولوجية تطالب أيضاً بمسح الملامح المحلية وإعادة إنتاج الهوية تحت أوهام التطور الذي لا يعني إلا التقزم من أجل التشبه بالآخر.

وأرجو أن لا يخيل لأحد أن الرواية صراع أيديولوجي ضمن دائرة الأفكار المتلاكمة. إنها المرة الأولى التي يمكن فيها أن نقرأ رواية حول الثقافة والهوية الوطنية وتظل محتفظة بمتعتها وحيويتها وغناها. فقد تعودنا أن نقرأ أدباً معنياً بالثقافة ولا يهم إلا المثقفين (ولا يرضيهم غالباً) ولا يرى المعركة تدور إلا بينهم. فالتجربة، في هذا الأدب، تجربة ذهنية مفتعلة وبعيدة عن الحياة. بينما أمادو يقدم معركته من أعماق القاع الشعبي الذي يضم الشغيلة والسكارى والمومسات واللقطاء وأصحاب الدكاكين والحرفيين. هذا القاع الشعبي خليط من قوميات وألوان وثقافات. هناك السكان الأصليون من أبناء القارة ثم امتزاجهم بالزنوج الذين جلبوا إلى القارة رقيقاً، ثم امتزاج هذين الشعبين مع الأسبان والأوروبيين عامة. وهذا الخليط الشعبي له ذاكرة هي مزيج مما تراكم من عادات هذه الشعوب وثقافاتها: الرقصات والأغاني والمواكب والطبول والمهرجانات والكرنفالات جزء من هويته. وهو مصر على المحافظة عليها وممارستها وإحيائها.

هذا كله، أمام نزعة تسلطية فوقية تريد أوربة كل شيء ونقاء الدم الأزرق (دم الأشراف البيض) وفرض الثقافة الغربية وإلغاء كل ما هو محلي..

وفي الوقت الذي يهتم أمادو فيه بالدفاع عن شخصية الشعب البرازيلي بقوة وعنف وإخلاص، يعرض في الوقت نفسه الابتذال الثقافي السائد وتعهير القيم والاستباحة الاستهلاكية النفعية لمقومات الحياة.

الرواية، بهذا، تسير في مستويين، كعادة أمادو، المستوى الأول القصة التي تدور حول البطل (عام 1969) من خلال شخصية الشاعر الشاب المكلف بالبحث عن معلومات (الذي هو مزيج من القواد والانتهازي) ومن خلال الاستعدادات للاحتفال بالذكرى المئوية لأرشانجو، ومحرضات هذه الاستعدادات وتحولاتها.

إنك وأنت تقرأ الرواية، تدخل في تفاصيل تجعلك تحس بالخجل لأنك تحيا في عالم فيه هذا القدر من الابتذال (الابتذال الذي تدرك ببساطة أنه موجود في حياتنا نحن أيضاً، وليس فقط في البرازيل)، ولكن تفاصيل أخرى تجعلك تحس بالاعتزاز لأن الحياة تحتوي على أناس يحملون القيم ويدافعون عنها، فتتشربهم وتتماهى فيهم مثلما ترى بعض أبطال الرواية.

والكاتب نفسه، أمادو، موزع هذا التوزع. ولكم تحسه مليئاً بالقرف والغضب وهو يعرض أساليب الراوي والاستعداد للاحتفال بالذكرى المئوية. ولكم تحسه أيضاً، مليئاً بالفخر لأنه ابن للشعب العظيم الذي فيه عظماء من أمثال أرشانجو وزملائه ثم:

أية قصة عظيمة حدثت في تاريخ هذا الشعب؟! وأي هاجس تافه وحقير يحرك أولئك الذين يسعون لإحيائه وإحياء ذكراها؟!.

ثم تدرك أية خفة دم وتلقائية شعبية يتمتع بهما أمادو وهو يجعل آخر أصدقاء أرشانجو (الميجور) يحتال على الاحتفال المكرس لتكريم «فخر البرازيل أرشانجو» لكي يجمع من المحتفلين مالاً يساعد به امرأة فقيرة (ومومساً طبعاً)!.

لماذا؟

فالبطل لا يريد أن يكون بطلاً ـ بل مخلصٌ مع نفسه فقط ـ والشعب لا يتحرك بتلك القصيدة الإنشائية التي يلجأ إليها الروائيون عادة أو يسير بها النفعيون الذين يستثمرون إحياء القيم الشعبية. حدث هذا لأننا هكذا لأن الحياة هكذا لأن الناس هكذا. وبين حين وآخر:

الصفحات