أنت هنا

قراءة كتاب النقد الذاتي بعد الهزيمة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
النقد الذاتي بعد الهزيمة

النقد الذاتي بعد الهزيمة

كتاب " النقد الذاتي بعد الهزيمة " ، تأليف صادق جلال العظم ، والذي صدر عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع عام 2007 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

النقد الذاتي بعد الهزيمة

«تتحول الحضارة حينما يتحول فجأة عنصرها المضطهد ـ مذلة العبد وكدح الشغيل ـ إلى قيمة. أي حينما يكف المضطهد عن محاولة الهروب من ذله ليطلب فيه خلاصه، وحينما يكف الشغيل عن محاولة الهروب من كدحه هذا ليجد فيه مبرر وجوده. المصنع الذي لا يزال أشبه بكنيسة الدياميس يجب أن يصبح كالكاتدرائية، وعلى الإنسان أن يرى فيها, عوضاً عن الآلهة, القوة الإنسانية وهي تصارع الأرض».

اندريه مالرو

1933

تقديم بعد طول انقطاع

في المناسبات الكثيرة التي كانت تجري فيها الأحاديث عن هزيمة اليوم الخامس من حزيران (يونيو) سنة 1967, وعن مفاعيلها المستمرة وآثارها المتمادية في الحياة العربية, كنتُ أسمع رأياً يتكرّر ويقول بأنه من أصل المادة الغزيرة التي تم انتاجها كتابة في العالم العربي بعد الهزيمة، وتحت عناوين تنناول الهزيمة من وجوهها جميعاً تقريباً، لم يبق في الذاكرة الجمعية العربية (المثقفة على أقل تقدير) سوى ثلاثة أعمال هي: قصيدة نزار قباني "هوامش على دفتر النكسة", ومسرحية سعد الله ونّوس"حفلة سمر من أجل 5 حزيران", وكتابي "النقد الذاتي بعد الهزيمة". وأريد أن أضيف هنا أنه أثناء بعض تلك الأحاديث كانت الحميَّة تأخذ, أحياناً, السوريين من الموجودين باتجاه لفت انتباه الجميع إلى أن الأعمال المذكورة كلها خرجت من سوريا، أي أنها جاءت بقلم شاعر سوري وبقلم مسرحي سوري وبقلم مُفكّر سوري, مع الإعتراف الفوري بفضل لبنان الكبير، وبيروت تحديداً، عليهم وعلى أمثالهم جميعاً.

إن قصيدة نزار متوفّرة للقارىء في دواوينه ومجموعاتهِ الشعرية المتداولة دوماً في أسواق الكتب، كما أن مسرحية سعد الله في متناول يد من يطلبها عبر أعماله المطبوعة والمنشورة على امتداد العالم العربي كله، أما كتاب "النقد الذاتي بعد الهزيمة" فبقيَ مفقوداً ونافداً من الأسواق لمدة تزيد عن ربع قرن. وبتحديد أكبر منذ آخر حرب نظاميّة عربيّة مع إسرائيل، أي حرب تشرين (أكتوبر) سنة 1973. بعد هذا التاريخ توقفت دار الطليعة في بيروت (الناشر الأول للكتاب، 1968) عن إعادة طباعة الكتاب بعد أن كان قد مرَّ بـ أكثر من 10 طبعات متتالية بين سنة 1968 وسنة 1973 (على الرغم من المنع والمصادرة في كثير من الدول العربية) بما في ذلك الطبعات المستقلة التي تمت في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

لذا أريد أن أتقدم بخالص الشكر وعميق الامتنان إلى دار ممدوح عدوان للنشر وبصورة خاصة إلى روح الدار وصاحبتها السيدة إلهام عبد اللطيف عدوان على فكرتها ومشروعها بإعادة إحياء الكتاب ونشره من جديد ليأخذ مكانه إلى جانب العملين الآخرين اللذين ارتبط بهما دوماً، على ما يبدو، في أذهان القرّاء وليكون متوفراً مثلهما في الأسواق، كما في متناول أجيالنا الطالعة التي قد لا تعرف عن الهزيمة العربية الكبرى في القرن العشرين إلاّ الروايات الرسمية التي صنعتها أنظمة الهزيمة بنفسها وأشاعتها هي هي بذاتها.

بهذه المناسبة، عدتُ إلى الكتاب وقرأته فوجدتُ أنه شاخَ بلا شك, ولكن ليس إلى الحد الذي كنتُ أظن وأتوقع. أما الحكم الأخير في هذه المسائل فمتروكٌ لكل قارىء وفقاً لظروفه وقناعاته واهتماماته وثقافته، وبخاصة بالنسبة للأجيال التي لم تتعرَّف على الهزيمة إلاّ سماعاً أو قراءةً أو عبر ذاكرة الطفولة. أما تقديري الشخصي اليوم, فيتلخص بأنه ما زال في الكتاب شيء ما هامّ يمكن أن يقوله إلى الأجيال المعاصرة بحيث تعرف، على أقل تعديل، من أية مواقع ومن أية أحداث ومن أي تاريخ قريب ومن أية اخفاقات جاء الواقع الراهن الذي تعيشه.

لا شك أن علامات التسرّع والارتباك ظاهرة في نص الكتاب, لأني ألّفته وقتها بسرعة كبيرة وتحت ضغط احتقان نفسي شخصي وجماعي هائل ليس نتيجة الهزيمة وحدها، بل أيضاً نتيجة الطريقة "شبه المستحيلة" التي تمتّ بها الهزيمة والأثر الإنهياري المُهول الذي تركه ذلك السقوط اللحظي المريع في جيلنا – جيل الستينيات كما يسمى أحياناً- بأكمله. ومما زادَ في بؤس الحال التي قمت فيها بتأليف الكتاب, إدراكي الشخصي وقتها, بأن حالة من الانكار البائِس والهروب اللامسؤول واللامعقول قد سيطرت فوراً على المهزومين, شبيهة بتلك الحالات التي تنتاب بعض المرضى الذين يعجزون عن الإقرار لأنفسهم بمرضهم فينكرون واقعة المرض سلوكاً وتعبيراً وتمويهاً وهلوسـة لأنّ واقع الحال يحملهم ما لا يُطاق.

الصفحات