أنت هنا

قراءة كتاب محاضرات في مناهج البحث العلمي للدراسات الإنسانية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
محاضرات في مناهج البحث العلمي للدراسات الإنسانية

محاضرات في مناهج البحث العلمي للدراسات الإنسانية

كتاب " محاضرات في مناهج البحث العلمي للدراسات الإنسانية " ، تأليف د. نبيهة صالح السامرائي ، والذي صدر عن دار الجنان عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 8

العلم الصلب والعلم المرن

نستطيع تطبيق الطريقة السابقة في شتى مناحي العلوم: في العلوم الطبيعية (العلوم الصلبة)، وكذلك في الإنسانيات أو العلوم الاجتماعية (العلوم المرنة) مثل علم الاجتماع، وعلم النفس، والعلوم السياسية، والتاريخ، والجغرافيا، وعلم الأديان، والاقتصاد، بل وحتى في الطب.

بيد أن بعضا من الخطوات التي تتطلبها الطريقة العلمية قد تؤدي لصعوبات لو طُبقت في مجال العلوم المرنة، خاصة وأن الأخيرة تركز على دراسة سلوك الإنسان. فمثلا، ليس ممكنا (ولا أخلاقيا) التجريب على البشر كما نجرب على النباتات والمعادن. ويصدق الأمر أيضا على العلوم التي تدرِس المجتمع ككيان أو وحدة واحدة، إذ لن يكون مفيدا استخدام الملاحظات على أحد المجتمعات لإصدار التعميمات والتنبؤات حول سلوك مجتمعات البشر كافة.

وفي العموم، تظل المبادئ الأساسية للطريقة العلمية صالحة لكل العلوم، مع بعض التحويرات والأدوات التي تختص بها العلوم المرنة. ومن ثم، فلا مهرب من "الطريقة العلمية" لمجالات الدراسة التي ترغب أن تتصف بالـ "علمية".

خارج نطاق العلم

يحتاج المرء لكي يصير عالما إلى تعلم صارم وطويل. وكذلك يحتاج إلى المران على الطريقة العلمية، وعلى اللغة الخاصة بالفرع الذي يختاره من العلوم. وقد جعلت هذه المتطلبات – غير اليسيرة أو المتوفرة للجميع – العلم مقصورا على تلك الفئة المحدودة القادرة على خوض غمار ذلك العالم، والمسلّحة بشغف استثنائي بالطبيعة والكون من حولنا. وقد صار العلم معرفة خلابة وصعبة المنال في آن؛ فهي معرفة تتخطى كل أشكال المعرفة الأخرى، إذ أنها تنفُذ أقرب للحقيقة، ومن ثم فإنها قادرة على التأثير عليها وإحداث تحولات بها. ولهذا السبب يلعب العلم ذلك الدور المحوري في تشكيل عالمنا المعاصر. ومن أمثلة ذلك التحولات الهائلة التي أطلقتها المعرفة العلمية في مجالات الطب والاتصالات و الإسكان والطاقة والزراعة والحرب، بل والحياة نفسها. فعالمنا المعاصر، في وجه هام من أوجهه، تجسيد لمعرفتنا العلمية. ولكنه عالم مهدد في ذات الوقت بما يمكن أن تقود إليه تلك المعرفة.

فالعلم الحديث، رغم كل التقدم الحاصل، لا يستطيع الإجابة على كل أسئلتنا ومشكلاتنا. فالعلم في المحصلة النهائية ليس عصى سحرية – وإن بدت بعض نتائجه كالسحر أحيانا. ورغم تكتم بعض العلماء بشدة على تجاربهم تحاشيا لذيوع أفكارهم ونتائجهم قبل تسجيلها في براءات اختراع أو نشرها في الدوريات العلمية، فإن الطرائق العلمية ليست سراً.

وإذ يُجري العلماء تجاربهم فإنهم لايعتمدون على الأفكار والمسلمات المتوارثة. فهم لو فعلوا ذلك سيطيحون بفرص الإضافة للمُتراكم المعرفي الإنساني الذي تحتاجه الأجيال القادمة لتبني عليه وتستفيد منه، كما استفاد أبناء الأجيال المعاصرة مما أضاف السابقون. ورغم أن العلم يتغلغل في مساريب حياتنا كلها، ويناطح بإنجازاته ما كان البشر يظنون غير ممكن إلا بالمعجزات و"الكرامات"، فإن العلم ليس دينا، كما أن العلماء ليسوا كهنة من أي نوع.

كذلك، قد يظن البعض أن العلم – بمختبراته وأدواته وبنيته التحتية المكلفة – مقصور بالضرورة على بعض الدول دون غيرها. لكن الواقع أن العلماء ينحدرون من كل عرق وجنس وفئة عمرية ودين ولون ومستوى اقتصادي.

ثم إن العلم، في سعيه للحقيقة، لا يقدم ضمانة ولا وعدا بأن نتائجه ستكون الكلمة الفصل. فالعلم ليس كالتعاليم المقدسة. وإنما العلماء في بحث دائب متصل من أجل الحقيقة؛ وهم أبدا غير راضين عما بلغوه، مهما بدا أنهم أكثر دنواً منها. وحتى عندما ينشر عالم نتائج أبحاثه في إحدى الدوريات العلمية، فليس النشر أكثر من دعوة للآخرين لاختبار دقة تلك النتائج، ولحث النقاش (والجدل) حولها.

وشأنه شأن الأنشطة الإنسانية الأخرى، للعلم أيضا أوجه قصور؛ إذ لا يخلو من الأخطاء، بل والتدليس، أحيانا. وتنشر وسائل الإعلام بين الحين والحين شهد القرن العشرون انتصار العلم – والذي بلغ ذروته مع خطوِ الإنسان على القمر. ولكن القرن نفسه شهد تقدما شاذا في العلم بتمكين البشرية من تدمير ذاتها. والحق أن الأمثلة على حيود العلم عن مساره كثيرة. فخلال الأعوام المبكرة لذلك القرن الصاخب، سعى أصحاب حركة "اليوجينيا" (eugenics) إلى تحسين صفات البشر عبر التزاوج الانتقائي (مثلا الرجال حسنو البنية والسيدات الجميلات موفورات الصحة). ونادى المؤمنون بتلك الحركة بتعقيم ذوي الإعاقات الذهنية. وبالمثل، في أواسط القرن، استخدمت المؤسسة العسكرية ثمرات أبحاث العبقري أينشتاين في إنتاج القنابل النووية التي استُخدمت بنتائج كارثية ضد اليابان قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية. واليوم تهدد الموجة الكاسحة للمعلوماتية والإنترنت الحياة الخاصة والخصوصية. كما أننا أوصلنا كوكبنا إلى الحافة التي يكاد يصير عندها غير قابل للسكنى.

الصفحات