أنت هنا

قراءة كتاب شعر النازحين من الاندلس الى مصر والشام في القرن السابع الهجري بين التأثر والتأثير

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
شعر النازحين من الاندلس الى مصر والشام في القرن السابع الهجري بين التأثر والتأثير

شعر النازحين من الاندلس الى مصر والشام في القرن السابع الهجري بين التأثر والتأثير

كتاب " شعر النازحين من الاندلس الى مصر والشام في القرن السابع الهجري بين التأثر والتأثير " ، تأليف د.آمنة البدوي ، والذي صدر عن دار الأهلية للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
الصفحة رقم: 4

ج- الظروف الاجتماعية

ويقصد بها ظروف الاضطراب وانعدام الأمن نتيجة للتدجين والهجرة القسرية، وأثر هذا الاضطراب في نفوس الناس من خلال تصوير ذلك بأقلام الشعراء والأدباء.

لقد تركت الأحوال السياسية والاقتصادية، أثرها البيّن في الحياة الاجتماعية، من حيث الاضطراب الذي سببته في نفوس الناس، والقلق وانعدام الأمن، نتيجة لتشريدهم وبُعدهم عن مدنهم، ومعاناتهم الدائمة لما آل إليه أمرهم، وما لاقوه من تطبيق قوانين ظالمة لمن بقي منهم في المدن التي استولى عليها النصارى، وأخذت تواجه شبح الفناء والاضطراب، وساد فيها القلق والفزع على مصيرها المحتوم.

وقد عومل سكان المدن الأندلسية بطريقتين: فالذي استسلموا وعقدت معهم معاهدة التسليم، سموا بالمُدَجَّنين (مسلمين في مناطق مسيحية)، وأما البلدان التي حاربت بمرارة، فقد تم طرد سكانها([114]). وقد شهد الربع الثاني من القرن السابع الهجر، الثالث عشر الميلادي، هجرة كثير من المسلمين، مما أدى إلى خلو البلاد من سكانها، وكثيرٌ ممن سمح لهم بالبقاء لم يبقوا، لأن تعاليم الديانة الإسلامية تحض على الهجرة إلى مناطق مسلمة، وبقي بعض الذين افترض أن يطردوا - خفية عن الأنظار - يقدمون خدمات للمسيحيين لاحتياج المناطق الجديدة إلى أيدي عاملة، فكان المسيحيون يرحبون بكل من لديه خبرة، وشجع بعض النبلاء قيام مستوطنات للمسلمين لأنهم كانوا يرغبون في تطوير ممتلكاتهم([115]).

وقد كانت الهجرات في أول أمرها داخلية، فقد نزح معظم سكان المدن التي سقطت في أيدي الفرنج إلى المناطق الغرناطية، وخاصة سكان قرطبة وإشبيلية، ثم وصل أبناء جَيّان ومرسية([116])، وسهل الأرغونيون نزوح سكان بلنسية كما رأينا.

ولعل تعلق الأندلسيين ببلادهم، جعلهم يغالبون الرحيل عنها بصورة كلية، فكانوا إن سقطت مدينة أندلسية، ارتحلوا منها إلى أخرى، حتى لا يجدوا بعد ذلك مفراً من الارتحال النهائي عنها، فقد خرج محمد بن علي الجُذامي من أركُش وهي بلدة صغيرة من أعمال شَريش، حينما أخذت النصارى قصبتها إلى شَريش، فلما أخذ النصارى قصبتها، ارتحل إلى الجزيرة الخضراء، ثم انتهى به الرحيل منها إلى سبتة في المغرب، ثم عاد إلى الجزيرة الخضراء، ومنها إلى حضرة غرناطة، حتى انتهى بها المطاف إلى مالقة وتوفي بها([117]).

وقد لوحظ أن موجات الهجرة الداخلية من البلاد الأندلسية، قد بدأت تتزايد على مملكة غرناطة كلما سقطت في يد الإسبان مدينة من المدن المسلمة، سواء منها الشرقية أو الوسطى، وخاصة أنهم كانوا في حالة ثوران داخلي، لذا فقد كانوا يفضلون الهجرة إلى المناطق الإسلامية على الخضوع للنصارى وقبول التدجن، وإن كان القليل منهم قد فضّل مصالحه الاقتصادية وبقي في المناطق المسيحية([118]).

كما كانت الأوضاع الداخلية، والفتن السائدة، مدعاة للهجرة، فقد ارتحل أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى عن دانية، أول الفتنة المنبعثة في الأندلس سنة (621هـ) وسكن بلنسية، ثم ارتحل إلى المغرب وبقي حتى توفي بها سنة (627هـ) ([119]). وتعطينا بعض كتب المتصوفة في هذا العصر، رؤية خاصة للمجتمع الداخلي في الأندلس، وتلقي باللائمة على الزمان وأهله وتصف المجتمع بالفساد والانحلال وهذا ما يصوره ابن عربي بقوله: «وهذا الزمن الذي أنت فيه زمان شَرّ، قَلَّت فيه لقمةُ الحَلال، وكثُرَ فيه الشَّرَهُ والكَلَبُ في قلوبِ النّاس، فلا بَطْنٌ يَشْبع، ولا نَفْسٌ تَقْنَع، ولا عينٌ تَدْمع ولا دُعاءٌ يُسمَع»([120]).

وكان أهل الأندلس، في حالة من الفزع والاضطراب والقلق، جعلتهم يعتقدون بالتنبؤات والأراجيف التي تتردد عن قرب ظهور رجل من أصناف الجند اسمه محمد، واسم أبيه يوسف، يتم على يديه إنقاذ أهل الأندلس وكانت هذه النبوءة هي المحرك لمحمد بن يوسف بن نصر بن الأحمر بالقيام والثورة([121]).

لقد اتحدت العوامل الداخلية والخارجية، لتؤدي إلى ضياع الجزء الأكبر من الأندلس، وتشريد أهلها وإجبارهم على النزوح والجلاء عن أرضهم إلى أقطار عربية وإسلامية أخرى، بعد تزايد الزحف الإسباني على المدن الأندلسية إذ أصبحت الهجرة الخارجية الجماعية أكثر من ذي قبل، حيث إن غرناطة لا يمكن لها أن تتسع لكافة هؤلاء المرتحلين، فكان لا بد من توجه المسلمين إلى المغرب والمشرق بصورة لافتة([122]). تاركين وراءهم الدور والأراضي والزروع والكروم([123]) ولعلهم بذلك كانوا سبباً رئيسياً في انهيار الحضارة الأندلسية لما هاجروا بداية من بلادهم إلى المناطق الغربية وخاصة غرناطة، فأغنوها حضارياً، وازدهرت اقتصادياً، لخبراتهم الزراعية([124]).

استقر غالبية المهاجرين إلى المشرق في المدن الرئيسية في مصر والشام وهما مركز النفوذ السياسي في المشرق، وقد كثر المرتحلون من أهل العلم والأدب، إذ إن هذه الفئة من أكثر عناصر المجتمع تأثراً بعدم الاستقرار، وهذا من الأسباب التي تقوي الظن بأن الهجرة كانت من أجل الاستقرار والأمن والاستيطان.

ويتضح ذلك من خلال وصف الكتاب والشعراء لاضطراب الأحوال في بلادهم محذرين الأندلسيين من المصير المفزع مستصرخين الملوك والحكام وهم يرون مدنهم تسقط الواحدة تلو الأخرى، يقول ابن الأبار: «فقل في يومٍ عصيب، رَماني بِسَهْمٍ للفِراقِ مُصيب، ولم يَدَعْ لي ما تمنَّيت، وشَرى بِثَمَنٍ بَخْسِ ما اقَتَنَيْت، فاستَشْرى في مَحْوِ ما وَحَيْت، وهدم ما بنيت، حتّى عيل الاصطِبر وغَلَبَ الاستِعْبار، للتَفَكُّرِ في بَثِّ الأشْجان، وبَتِّ الأشْطان، والتَذَكُّرِ لِوُلوجِ الامتحان بالخروجِ عن الأوْطان، أيّانَ سَلَّمها الإسلام آيِساً وتدَّرَها التثليثُ آنساً»([125]).

ويصف أبو المطرّف بن عميرة، ما حلّ بأهل بلنسية باكياً متحسراً يقول: «فيالله لأتراب درجوا، وأصحاب عن الأوطان خرجوا، قصت الأجنحة وقيل طيروا وإنما هو القتل والأسر أو تسيروا، فافترقوا أيدي سبا، وانتثروا على الوهاد والرُّبا، ففي كل جانب عويلٌ وزفرة، وبكل صدرٍ غليلٌ وحسرة»([126]).

وقد أذكت المحن لوعة الشعراء، واستثارت قرائحهم، فبكوا مدنهم بكاءً حاراً، متفجعين على ضياعها، واصفين ما أصابها على أيدي الأعداء من خراب وتدمير، وما حاق بأهلها من صنوف الذل والعذاب، من ذلك ما يقوله أبو موسى ابن هارون أحد شعراء إشبيلية حينما استولى عليها الأعداء سنة (646هـ).

الصفحات