أنت هنا

قراءة كتاب شعر النازحين من الاندلس الى مصر والشام في القرن السابع الهجري بين التأثر والتأثير

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
شعر النازحين من الاندلس الى مصر والشام في القرن السابع الهجري بين التأثر والتأثير

شعر النازحين من الاندلس الى مصر والشام في القرن السابع الهجري بين التأثر والتأثير

كتاب " شعر النازحين من الاندلس الى مصر والشام في القرن السابع الهجري بين التأثر والتأثير " ، تأليف د.آمنة البدوي ، والذي صدر عن دار الأهلية للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
الصفحة رقم: 7

ب- الحج والتقديس وزيارة الأماكن المقدسة في المشرق

لا تقل الناحية الدينية عن غيرها من نواحي الجذب الأخرى إلى الشام ومصر، ذلك أن المكانة الدينية المتميزة التي حظيت بها كل منهما، جعلتهما محط أنظار الأندلسيين في اتخاذهما مكاناً للاستقرار.

وتبين العديد من الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة مكانة الشام الدينية، التي كان الأندلسيون على دراية بها، لتضلعهم في علوم القرآن والحديث. فهناك على سبيل المثال أحاديث تحض المسلمين على الهجرة إلى الشام، إذا ما تعرضوا للمحن، ولعل ما عاناه المسلمون في الأندلس جعل لهذه الأحاديث صدى عميقاً في نفوسهم، وتأثيراً عليهم في الاتجاه للشام من ذلك ما روي عن عبدالله بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ستكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض، ألزمهم مُهاجر إبراهيم، ويبقى في كل أرض إذ ذاك، شرار أهلها، تلفظهم أرضُوهم، تَقذرُهم نفس الله عز وجل، وتحشرهم النار مع القردة والخنازير (والمهاجر)» ([164]).

(والمُهاجَر): الموضع الذي يهاجَر إليه، ومهاجر إبراهيم خليل الله عليه السلام هو الشام، فأراد بالهجرة الثانية في قوله: «ستكون هجرة بعد هجرة» الهجرة إلى الشام، يرغب في المقام بها([165]). وفي حديث آخر يبين الرسول صلى الله عليه وسلم فضل الشام الاقتصادي والديني، مفضلاً إياها على غيرها، فيما رواه عبدالله بن حوالة t ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنوداً مجندة، جند بالشام، وجند بالعراق، فقلت: خِرْ لي يا رسول الله إن أدركت ذلك، فقال: عليك بالشام، فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده، فأما إن أبيتم فعليكم بيمنكم، واسقوا من غُدركم، فإن الله توكّل لي بالشام وأهله»([166]).

كما اختصت الأحاديث بعض مناطق الشام وأكدت على فضلها، وأهمها القدس ودمشق، القدس هي القبلة الأولى، وهي أرض الإسراء والمعراج، كما في قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾ [الإسراء:1]، وقد أكدت الأحاديث النبوية على هذه المكانة، حيثُ نصّ بعضها على فضل الصلاة في المسجد الأقصى، كقوله صلى الله عليه وسلم : «لا تُشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا»([167])، وفي هذه الصلاة غفران وتكفير للذنوب كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم : «من خرج إلى بيت المقدس لغير حاجة إلا الصلاة، فصلّى فيه خمس صلوات، صبحاً وظهراً وعصراً ومغرباً وعشاءً، خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه»([168]).

وربطت الأحاديث الشريفة بين أداء الحج والعمرة في الحجاز وزيارة بيت المقدس حتى يكون الحج كاملا، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : «من أهلّ بحجٍّ أو عمرة من المسجد الأقصى الشريف إلى المسجد الحرام غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ووجبت له الجنة»([169]). فاغتفار الذنوب أمر له قيمة عند المسلمين، وهذا مما دعا الأندلسيين إلى تطبيق مضمون الحديث، والارتحال إلى هذه الأماكن المقدسة، التي يتوقون إليها في المشرق، وقد اتخذت عادة الإقامة في المسجد الأقصى وزيارته والصلاة فيه، والانطلاق منه إلى الحج صفة الخلود عند الأندلسيين، ولعل عامل الجذب هذا قد ازداد لدى الأندلسيين في هذه الفترة المتأخرة، بعد قيام الدولتين الأيوبية والمملوكية، حيث كان المشرق ساحة جهاد ضد الصليبيين والتتار، مما زاد في تأثير عامل الجذب الديني، إذ عُدّ الدفاع عن بيت المقدس واجباً دينياً، وقد ازداد تدفق الزوار إلى بيت المقدس حينما حررها صلاح الدين، وليس أدلّ على ذلك من رحلة ابن جبير الثانية للمشرق([170])، والتي كان فتح بيت المقدس من أقوى أسبابها.

وكما اختصت الأحاديث الشريفة بيت المقدس، فقد اختصت دمشق عن غيرها من المدن، قال صلى الله عليه وسلم : «إن فُسطاطَ المسلمينَ يومَ الملحمةِ بالغُوطة، إلى جانِبِ مدينَةٍ يقالُ لها دِمَشق، من خيرِ مَدائِن الشام»([171])، وقد فضلت دمشق على سائر بقاع الشام ما عدا بيت المقدس، مما يدل على بركتها وفضيلة أهلها.

ويظهر اهتمام الرحالة وخاصة الأندلسيين بالمساجد والمشاهد والمزارات، فقد أعجبوا بالجامع الأموي، فوصفوه بدقة واستفاضة، مبينين مساحته وتاريخ تأسيسه وفضائله، وما روي فيه من أحاديث، كما وصفوا قبته وزواياه وما يقام فيه من حلقات علم([172])، فهو لا يخلو في معظم الليل والنهار، من تال لكتاب الله، أو مصلّ، أو ذاكر أو عالِم أو مجتهد([173])، وقد تنوقلت الأقوال الكثيرة في رؤية الخضر عليه السلام يصلي كثيراً في الجانب الشرقي منه([174]). كما ذكروا مغارة الدم التي قتل فيها قابيل هابيل، ومغارة آدم عليه السلام وهما في جبل قاسيون بدمشق([175]). وهناك أمر آخر كان الأندلسيون يعظمون دمشق من أجله، وهو وجود نعل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد كانت موجودة عند بني أبي الحديد، ثم نقلت للمدرسة الأشرفية([176]).

وهناك مدن غير دمشق حظيت بمكانة دينية عن الأندلسيين، لما فيها من مزارات ومشاهد وقبور أنبياء، من ذلك ما يرويه الرحالة ابن بطوطة حيث يقول: «عسقلان فيها مشهد رأس الحسين قبل نقله للقاهرة...، وفي قبلة المزار مسجد كبير يُعرف بمسجد عمر، وفي القبلة منه بئر إبراهيم. وفي ظاهر عسقلان وادي النمل المذكور، الوارد ذكره في القرآن... أما الرملة ففي قبلة الجامع الأبيض منه ثلاثمائة من الأنبياء مدفونين.. وفي عكا قبر النبي صالح وبشرقها عين ماء تُعرف بعين البقر، يقال إن الله تعالى أخرج منها البقر لآدم عليه السلام ، وكان عليه مسجد بقي منه محرابه»([177]). وفي طبريا قبر النبي شعيب، وعلى القرب منه الجب الذي أنزل فيه يوسف، وفي الخليل مشاهد وقبور الأنبياء والصالحين ومساجد كثيرة([178]).

ومهما كانت درجة صحة الأحاديث والأقوال التي تنوقلت، فقد وصلت للأندلسيين واشتهرت عندهم، وعملت بصورة إيجابية، على ترغيب أهل الأندلس في التوجه إلى الشام والاستقرار في مدنه.

وتحتل مصر مكانة دينية عند مسلمي الأندلس، قد لا تصل إلى الدرجة التي وصلتها الشام لاعتبارات كثيرة أشير إليها، مما ساعد على حركة نشطة للأندلسيين إليها، فلمصر ذكر طيب في القرآن الكريم في عدة مواضع، منها قوله تعالى: ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ﴾ [البقرة:61] وقوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا ﴾ [يونس:87]. وورد ذكرها في الأحاديث الشريفة، من ذلك ما روي عن أبي ذر t عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ستفتحون مصر وهي أرض يُسمّى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإنّ لهم ذمةً ورحماً»([179]).

وعدّ ابن جبير قرافة القاهرة من عجائب الدنيا، لما تحتوي عليه من مشاهد الأنبياء عليهم السلام، وأهل البيت والصحابة والتابعين والزهاد والعلماء. ومن هذه المشاهد، مشهد رأس الحسين بن علي، وقد وصفه ابن جبير ووصف البنيان الذي يحيط به مجلاً، كما شاهد قبر النبي صالح، وقبر روبيل بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وقبر آسيا امرأة فرعون، ومشاهد أهل البيت، مبيناً اتصال الجرايات كل شهر في هذه الأمكنة([180])، ومن المشاهد الأخرى مشهد السيدة أم كلثوم، ومشهد علي بن الحسين، ومشهد السيدة زينب ابنة يحيى بن زيد، ومشهد معاذ بن جبل، ومشهد الإمام الشافعي وغيرها منن المشاهد([181]). كما أشار العبدري إلى وجود عدة وافرة من المزارات الشريفة([182])، وجملة من قبور الصالحين وصدور السلف والخلف في مصر ما لا يضبطه الحصر([183]).

وذكر الكندي أماكن دينية في مصر، نقلها عنه السيوطي، فذكر النيل المبارك، والنخلة التي ولد عيسى عليه السلام تحتها، وقبري موسى وهارون، كما ذكر دخول الكثير من الأنبياء مصر ومنهم إدريس وإبراهيم الخليل وإسماعيل ويعقوب ولوط، وعيسى وأيوب وشعيب عليهم السلام([184]).

وفي مصر المساجد القديمة العريقة مثل مسجد عمرو بن العاص للمالكية، وخصصت بعض المساجد المشهورة للعناية بالغرباء من المغاربة مثل مسجد ابن طولون الذي خصصه السلطان لهم، مجرياً عليهم الأرزاق([185]) فاجتمع بذلك فيه عاملا جذب ديني واقتصادي.

ولا شك أن قوافل الحج التي كانت تمر بمصر، لم يكن الهدف منها أداء فريضة الحج فقط، وإنما اقترن هذا بفكرة الجهاد، والاعتقاد بأن الإقامة في الربط والحياة في الثغور نوع من الجهاد، وأن من يموت أثناء إقامته فيها يعدّ شهيداً، لذلك جذبت الإسكندرية عدداً كبيراً من علماء المسلمين عامة، ومن علماء المغرب والأندلس خاصة([186]).

الصفحات