أنت هنا

قراءة كتاب الحب .. العاطفة المغادرة لكوكبنا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الحب .. العاطفة المغادرة لكوكبنا

الحب .. العاطفة المغادرة لكوكبنا

كتاب " الحب .. العاطفة المغادرة لكوكبنا " ، تأليف ابراهيم الخليل ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6

وبهذا الفهم يمكننا أن نضيف إلى تفسّير أفلا تذكرون : أفلا ترجعون إلى عهد الفطرة المركوز في ذاكرتكم الحافظة فتعالجه وتسترجع بياناته قلوبكم فتنير لكم طريق الهدى والرشاد فتتعظون و تنيبون.

وقال تعالى: أفمن يعلمأنّما أنزل إليك من ربّك الحقكمن هو أعمى ، إنّمايتذكر أولوا الألباب سورة الرعد آية 19.

يقول صاحب الأساس في التفسير: أي لا يستوي من يعلم من النّاس أنّ الذي أنزل إليك يا محمد من ربك هو الحق الذي لا شكّ فيه و لا مرية ولا لبس فيه و لا اختلاف فيه ، بل هو كلّه حق يصدّق بعضه بعضا، لا يضاد شئ منه شيئا آخر ، فأخباره كلّها حق ، وأوامره ونواهيه عدل ، لا يستوي من كان كذلك ومن هو أعمى لا يهتدي إلى خير ولا يفهمه ، ولو فهمه ماانقاد إليه ولا صدّقه ولا اتّبعه ، أفهذا كهذا ؟ لا استواء. إنّه ليس إلاّ العمى وحده هو السبب في عدم رؤية الحق). وختم الآية بقوله: إنّما يتذكر أولوا الألباب أي إنّما يتعظ ويعتبر ويعقل أصحاب أدوات الفكر السليم ، فمن لا يعقل لا يتذكر ، و من لم يتذكر فهو أعمى . وقد دلّ ذلك على أنّ الحق مركوز في اللب ، أي القلب ، كما نرجح تمشّيا مع النصوص التالية ، وهو كذلك يعني في اللغة السريانية والعبرانية، وواجهته الخارجية للتفاعل مع الأحداث: السمع والنظر، يتفاعل مع الحق ويعالج بياناته كلما أراد. فإذا نزل الوحي على القلوب السليمة طابقته بالمركوز عندها فتذكرت فأبصرت واهتدت. أمّا القلوب التي لا تتذكر فإنها وصلت إلى العمى الكامل ؛ لخلل في النظام التشغيلي الذي ينسق العمليات الفكرية الآنية في القلب وأعصابه مع المعلومات والتجارب والذكريات المركوزة فيه ، أو لفقدان المعلومات لتلف أصابها أو لعدم وجودها.

روى الإمام أحمد من جملة محاورة طويلة لليهود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قالوا: إنّه ليس من نبي إلاّ وله ملك يأتيه بالخبر ، فأخبرنا من صاحبك ؟ قال: جبريل عليه السلام. قالوا: جبريل ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدوّنا. لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والقطر والنبات لكان ، فأنزل الله:

قل من كان عدوّا لجبريل فإنّه نزّله على قلبك بإذن الله مصدّقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين البقرة: 97.

فمن عادى جبريل فليعلم أنّه الروح الأمين الذي نزل بالذكر الحكيم على قلب محمد صلى الله عليه وسلّم ، مصدقا لما بين يديه من الكتب المتقدمة ، وهدى لقلوب المؤمنين ، وبشرى للمؤمنين بالجنة.

فاختص القلب لأنه موضع الحفظ والفهم.

يفصّل الرسول الأكرم في الفطرة: (كل مولود يولد على الفطرة ، وأبواه يهودانه أو ينصّرانه أو يمجسانه.)

فالفطرة هي نظام تشغيل واحد لجهاز الإنسان ، موحّد ، ليس حاسوبا شخصيا (PC) أو ماك (Mac) ، بل نظام تشغيل أبدي خالد إكتملت كلّ مكوّناته فلا يحتاج إلى تطوير. لكنّه يحتاج في أيامه الأولى إلى بيئة صالحة، هي رعاية التربية ، تساعد على تثبيت نظامالتشغيل وجودةأداء كافةوحداته النسقية (Modules)، كي يضمن كفاءة عمل البرامج المستخدمة.

وتعطّل أدوات التلقي عن العمل ، أي القلب والبصر والسمع ، وهي أجهزة الفطرة ، رغم صحتها العضوية ، يرجع إلى خلل يصيب نظام التشغيل بأكمله. فمع انتكاس فطرة الإنسان تنتكس إنسانيته إلى مرتبة الحيوان ، بل أدنى منه ، ويموت معنويا رغم بقائه في سجل الأحياء !

وقال تعالى: إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ، أو ألقى السمع وهوشهيد ق الآية 37. أي إنّ في ماذكر _ من قدرة الله في الكون ورحلة الإنسان من المنشأ إلى المصير _ لعبرة أي: تذكرة و موعظة لمن كان له قلب أي: واع ؛ لأنه من لا يعي قلبه فكأنّه لا قلب به ، أو قلب حي ؛ لأنّ القلب الميت لا يسمع عن الله أو ألقى السمع وهو شهيد أي: أو أصغى وهو حاضر الفكر والبال وإلاّ فهو في حكم الغائب غير الحاضر أو الميت غير الحي.

وقال تعالى في سورة يس: لينذر من كان حيّا ويحق القول على الكافرين آية 70.

لينذر القرآن أو الرسول صلى الله عليه وسلّم ( من كان حيّا أي عاقلا متأملا _ لأنّ الغافل كالميت _ أو حيا بالقلب ويحق القول أي وتجب كلمة العذاب على الكافرين الذين لا يتأملون وهم في حكم الأموات. قال ابن كثير: أي هو رحمة للمؤمنين وحجّة على الكافرين.

وألم يقل الشاعر:

إنّما الميت ميت الأحياء ، من أضحى: كسيفا باله قليل الرجاء !

فكيف بالذي تعطلت كل أدواته الإنسانية للتلقي !

ثمّ أصبح نهبا للفايروسات و الهكارز وشياطين الإنس و الجن !

والصورة المقابلة ، المشرقة المتفاعلة المليئة بالحياة يرويها النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عزّ وجلّ أنه قال: (ما تقرّب إليّ عبد يبمثل ما افترضت عليه ، و لا يزال عبدييتقرّبإليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي.) أخرجه البخاري ج 11 من حديث أبي هريرة.

يشرح إبن قيّم الجوزية الحديث (الروح): أخبر سبحانه أنّ تقرّب عبده منه يفيد محبته له،فإذا أحبه قرب من سمعه و بصره و يده و رجله ، فسمع به ، و أبصر به ، وبطش به ، ومشى به ، فصار قلبه كالمرآة الصافية تبدو فيها صور الحقائق على ما هي عليه ، فلا تكاد تخطئ له فراسة ، فإنّ العبد إذا أبصر بالله أبصر الأمر على ما هو عليه ، فإذا سمع بالله سمعه على ما هو عليه. و ليس هذا من علم الغيب بل علاّم الغيوب قذف الحق في قلب قريب مستبشر بنوره غير مشغول بنقوش الأباطيل و الخيالات و الوساوس ، التي تمنعه من حصول صور الحقائق فيه،و إذا غلب على القلب النور فاض على الأركان ، وبادر من القلب إلى العين ، فكشف بعين بصره بحسب ذلك النور ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يرى أصحابه في الصلاة وهم خلفه كما يراهم أمامه.

و رآى بيت المقدس عيانا و هو بمكة.

و رآى قصور الشّام و أبواب صنعاء و مدائن كسرى و هو بالمدينة يحفر الخندق.

ورآى أمراءه بمؤتة و قد أصيبوا وهو بالمدينة.

ورآى النجاشي بالحبشة لمّا مات وهو بالمدينة ، فخرج إلى المصلّى فصلّى عليه.

و هناك الكثير من حكايات تفرّس أمير المؤمنين عمر و عثمان رضي الله عنهما ليس هنا مجالها.

ويبين القرآن الكريم و أحاديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم أهمية القلوب و أنواعها.

فالكافرون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم و على أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7 البقرة. فبها حجاب كثيف عطّل أجهزة الفطرة عن أداء مهامها فحجب نور الهدى عنها.

الصفحات