أنت هنا

قراءة كتاب فلسفة الأخلاق بين أرسطو ومسكوية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فلسفة الأخلاق بين أرسطو ومسكوية

فلسفة الأخلاق بين أرسطو ومسكوية

كتاب " فلسفة الأخلاق بين أرسطو ومسكوية " ، تأليف د. ناجي التكريتي ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3

لا شك أن أفلاطون نفسه، قد تعلم من أستاذه سقراط، أن التعاليم والمعارف تغرس في نفوس الأطفال، لأن ذواتهم ما تزال طيعةـ تقبل ما يصل إليها بسهولة وتقبل، وتنقش في صدورهم الحكمة كالنقش على الحجر.

إن أفلاطون ينقل عن أستاذه سقراط، إن قال أن الرجل الفاضل أسعد من الرجل الشرير، مهما لاقى الأول من منحى وضيق وعوز، ومهما نال الثاني من حظوة ومال وجاه، إن الأول رابط الجأش لأن سعادته تكمن في راحته الداخلية وتماسكه وتوازنه واعتداله وبراءة نفسه، أما الثاني فمهما تظاهر بالرضا عن نفسه، فهو شقي في أعماقه يعظم روحه بألم، لما اقترفه من آثام.

يذكر أفلاطون أن سقراط يذهب في الرأي إلى إن الإنسان الفاضل لا يعطي الحياة أكثر مما يتحقق من الاهتمام، الإنسان الفاضل يبقى متماسكاً محتفظاً بتوازنه، مهما أصابته المصائب ومهما حلت به الكوارث، حتى لو أنه فقد ولده أو ماله، فإنه يدرك أن كل شيء متغير في هذه الحياة، ولا يبقى حال على حاله.

إن الرجل الفاضل يشعر بما حاقه من ألم، على أنه يتغلب على ذلك، لأنه يعلم علم اليقين أن الحزن يؤذيه ولا يحقق له شيئاً ذا بال، أنه يحكم عقله، إذا ما وقع في محنة شديدة أو خسر خسارة فادحة، ويلتزم جانب العقل ليصلح حاله بأحسن الوسائل بدلاً من التوقع والانحسار.

إننا نلاحظ ببساطة، أن أفلاطون يسجل أفكار أستاذه سقراط، في التغلب على قسوة الحياة بقوة الإرادة وصلابة العقل، أن هذه الفكرة ذاتها سوف تؤسس مدرسة يونانية لاحقة، كل فلسفتها عليها، المعروف أن المدرسة الحرواقية مدرسة أخلاقية متأخرة، اشتهرت بفلاسفتها الأخلاقيين، كل ما جاء به هؤلاء الفلاسفة حكمة بنوا فلسفتهم عليها، مفادها (عش وفاقاً للطبيعة) وهي عين ما ذكره أفلاطون عن أستاذه سقراط في الفقرة أعلاه، وكل ما أتت به المدرسة الابيقورية أيضاً، هو التمتع باللذة من دون ألم، هذا هو عين ما ذكره أفلاطون، أن على الإنسان أن يتمتع باللذة على أن لا يعقب ذلك ألم.

أفلاطون واصل تعاليم أستاذه في التوجه إلى دراسة الأخلاق إلى درجة استطيع القول أن أفلاطون مسكون بكل ما هو أخلاقي، حتى حرية الإنسان، فإن أفلاطون يشترط فيها أو يجب أن تقترن الحرية بالأخلاق.

أفلاطون يرى أن الرذيلة أكبر الشرور، بل هي أساس كل الشرور، مع ذلك فإن أفلاطون لا يخالف أستاذه سقراط في الرأي بأن الإنسان يرتكب الرذيلة وهو جاهل بها، لا شك أن هذا الرأي الذي يتبناه أفلاطون عن أستاذه سقراط، أقرب لمن يعتقد بالقضاء والقدر.

إننا إذا أردنا أن نلتزم جانب الموضوعية في الحكم على الأفكار، فإن الفضيلة ممكن أن تعلم بالممارسة والتوجيه والتدريب، إلى أن تصبح عادة بل قد تغدو أقرب إلى الطبع.

إن العقل الحازم يستطيع أن يقاوم كل أفراط، وأن يتغلب على الشهوات، أنه في الوقت نفسه قادر على الأحكام على ما هو حسن وجميل وممدوح، إن الإنسان له القدرة على مقاومة الرذائل إذا ما أدرك عواقب شرورها، حتى أنه يبتعد عنها ويتخلص منها ويكون في منأى عن كل ما يسيء إليه من نظر الآخرين.

إن كل إنسان حين يستذكر تاريخ حياته، يرى بوضوح كيف أنه نمّى الخلال الحسنة في نفسه حتى صارت أشبه بالطبع عنده، وتخلص أو ابتعد عن كل العوالق السيئة التي تثير الاحتقار ضده.

القضية إذن منوطة بقوة العقل لدى كل إنسان وتقدم درجة ذكائه، إن الإنسان العاقل أكثر فطنة من محدود الذكاء في هذا الشأن، الإنسان الذكي له القدرة على مقاومة كل ما هو شائن قد يعكر صفو حياته، وعلى أن الآخرين يندفعون وراء شهواتهم، دون أن يحسبوا حساباً لما سوف تأتي به الأيام من عسر الحساب.

إذا أردنا أن نتوضى الدقة في الحكم على سلوك الإنسان، فإن الإنسان يعلم جيداً أنه يقدم على الفعل الحسن، كما أنه يدرك مقدماً حين يقترف نوعاً من الشرور، الإنسان إذن يعلم قبل أن يعمل سواء أكان ذلك سلباً أم إيجاباً، الإنسان يعرف جيداً أنه يلتزم جانب الصواب حين يفعل خيراً، وأنه يخالف الحق حين يقترف ذنباً.

لا شك أن الإنسان الذي يتخذ العقل دليلاً ومرشداً يسعى إلى فعل الخير، ويستحق أن يطلق عليه أنه رجل فاضل، بالمقابل فهناك من يفعل الشر هو عالم أنه يعمل الشر، ولا يهمه ما يترتب على ذلك من نتائج.

لا بأس بعد هذا أن أقول أن كتاب الأخلاق لأرسطو كتاب جليل القدر، تناول فيه كثيراً من القضايا التي تهم الإنسان، مثل الفضيلة والعدل والاعتدال واللذة والسعادة والصداقة إلى آخر ما هناك من مسائل وقضايا أخلاقية.

ما أود ذكره أن أرسطو اشتهر بنظريته في الاعتدال حتى أطلق عليه أن صاحب نظرية الوسط الذهبي، أود أن ألقى على ضوء ساطعاً في هذا المقام، فأقول أن الفيلسوف أفلاطون هو الذي نادى بوجوب الاعتدال في السيرة، وأن أرسطو قد اقتبس هذه المقولة من أستاذه أفلاطون.

إن أرسطو بنى كل ما قاله وعالجه في كتاب الأخلاق النيقوماخية على نظرية الوسط، التي هي في حقيقة أمرها أفلاطونية، لا شك أن أرسطو قد استقى نظرية الاعتدال من أستاذه أفلاطون، على أننا إذا ذهبنا في أمور أوسع، فإن الآداب العالمية في الحضارات القديمة قد نادت بوجوب الاعتدال في الحياة قبل أرسطو وأفلاطون وسقراط.

إن من يقرأ بنود شريعة حمورابي، يلاحظ بوضوح أن حمورابي يطلب من الناس الاعتدال في السيرة الحالة نفسها موجودة في ملحمة كلكامش، إن على الإنسان أن يلتزم جانب الحكمة في الحياة، إذا أردت أن أعرج إلى الشرق، فإن بوذا وكونغوشيوس، قد بينا حكمتها على الاعتدال وعدم التطرف في الحياة.

إن السبب الذي جعل أفلاطون يوصي بالاعتدال، لأنه قال أنه ليس بالإمكان جماح الفرد وحرمانه من كل شهواته الحسية، لا بأس على الإنسان أن يتمتع بلذائذ الحياة على إلا يفرط وفقاً للطبيعة البشرية، على الإنسان أن يحكم العقل في إشباع شهواته من غير تبذل في الطلب أو الانهماك في اللذات الحسية.

الوسط إذن خيار العقل كما يرى أفلاطون كي يحفظ توازن الإنسان فلا إفراط ولا حرمان أن الاعتدال في الحياة في تناسب مقبول، يكسب الإنسان فيغسله ويحقق له الراحة والسعادة والأمان.

ينتقل أفلاطون من الطريق الذي يحقق السعادة للفرد هو الاعتدال إلى العدل الذي يحقق السعادة للمجموع، أن الفرد الحاكم يحاول أن يفرض أمره على الجمهور ويريد منه أن يتقبل تعاليمه ويخنع لكل ما يقول، المجتمع بدوره لا يتقبل الظلم بهذه البساطة ولا يستطيع تقبل الذل من ملك مستبد.

هنا تأتي أهمية الاعتدال عند الأفراد، فتتحول إلى ما يعرف بالعدل عند الملك والشعب على السواء، إن المجتمع الذي يروم السعادة ويبغى الأمن والسلام، عليه أن يسير مسيرة توافقية بين طلبات الحاكم ورغبات الجمهور من أجل تحقيق الخير العام.

الفضيلة إذن تُعلّم أي يمكن تعليمها، سقراط نفسه الذي أتى بمقولة (إن الفضيلة لا تُعلّم) كان يعلم تلاميذه الفضيلة ومنهم أفلاطون، الفيلسوف أفلاطون علّم الفضيلة لتلاميذه، ومنهم أرسطو الذي أثبت أنه أذكى تلاميذه وصار أشهرهم.

أرسطو نفسه سار على نهج أستاذه حين كان يعلم الفضيلة لطلابه ماشياً، فأطلق على مدرسته بالمدرسة المشائية.

نلاحظ من خلال استعراض بعض آراء أفلاطون الأخلاقية التي أثرت في جوهر أخلاقيات أرسطو، أفلاطون يؤمن بالعقل، أن أفلاطون يؤمن أن عقلاً مدبراً صنع كل شيء على أحسن ما يكون ونظمه خير نظام، إن على الإنسان إذن أن يتبع عقله، وأن يسعى دائماً إلى الكمال، أنه عن طريق العقل يكون فاضلاً، وبالعقل يحصل على السعادة والهناء.

إذا أردنا الدقة في تتبع حصول فكرة احترام العقل عند أفلاطون هو أن الفيلسوف اليوناني الكساغوراس قال: (إن العقل أصل كل شيء في العالم)، الفيلسوف اليوناني هيماقليطس أيضاً قد سبق أفلاطون، حين قال: (أن أجمل القردة إذا قورن بالإنسان ظهر قبيحاً)، وقوله: (إن الإنسان الحكيم لا يظهر بجانب الله وجماله إلا كالقرد).

لا بأس أن أذكر مقولة لهرقليطس، قد تشتبه على العامة ويفسرونها تفسيراً مغايراً لحقيقتها، مقولة هرقليطس: (إن شخصاً واحداً من عليه القوم خير من ألف ألف من الدهماء).

الحقيقة أن هيراقليطس، لا يقصد هنا الطبقية الاجتماعية، بل يقصد أن حكيماً مميزاً خير من ألف ألف شخص من الجهلاء.

لو نظرنا الآن إلى حياتنا العملية فنسأل أنفسنا: كم يساوي مخترع الكهرباء إلى غيره من الناس؟ ما الفرق بين مكتشف دماء لعلاج مرض مستعصي وبين مليون شخص لا يفقهون من أمرهم شيئاً؟ كم يساوي في حضارتنا العربية أشخاص مثل: (الجاحظ، المتنبي، ابن الهيثم، الفارابي، الغزالي، ابن خلدون...).

إن أفلاطون يرتقي بفكرة العقل، من العقل الإنساني الذي يقوده إلى كل ما خير والابتعاد عن كل ما هو شر إلى عقل الفيلسوف، الذي يسعى للارتقاء والوصول إلى عالم (المثل) عالم (المعقولات الكلية) حين يرى (مُثُل الخير والجمال والعدل، ثم ينزل إلى العامة، ليأخذ بأيديهم لما هو خير لهم وأنفع وأجدل.

يبقى أفلاطون عند رأيه، من أن حب الذات مطبوع في نفوسنا، وإنه يرافقنا مدى الحياة، أن حب الذات هذا، الذي ركبته الطبيعة فينا، له فائدة عظمى من حيث إن الإنسان يحافظ على وجوده، بهذه القوة البنائية، يحاول أفلاطون أن يتغلب على هذا العيب الطبيعي عند الإنسان، حين يوصيه أن يلتزم جانب الحق حين يؤدي واجبه، عليه أن لا يفرط في حب ذاته، بل يعمل كل ما هو خير، فيقف موقفاً عادلاً بين ما له وما عليه.

إن سقراط إذن حين أطلق مقولته الشهيرة: (أعرف نفسك!) وسار أفلاطون على نهجها الأخلاقي وكذلك سوف يفعل أرسطو، أقول أن سقراط لا يقتصر هدفه على معرفة الإنسان بقدر نفسه، والعمل بها كما هي عليه، بل أن هدف سقراط الأخلاقي، يهدف إلى ما ينبغي أن يكون عليه الإنسان.

اعتقد أنه لا حاجة أن أكرر القول في أن أرسطو صدى بصوت أفلاطون، لولا أفلاطون لما كان أرسطو، أن الأخير قد تعلم في أكاديمية أفلاطون، وأن كتابه في الأخلاق يعتمد اعتماداً كلياً على فلسفة أفلاطون الأخلاقية.

مهما غيّر أرسطو في النظريات التي يعرضها، أو قد يذكرها بصيغة أنه يخالفها، على أن المتتبع لكل ما عرضه أرسطو في كتابه الكبير هذا، مثل: الخير والسعادة والفضيلة والصداقة واللذة، والعدل والاعتدال والوسط، فإنها كلها قد تناولها أفلاطون بصورة مفصلة، وربما كتب كتاباً كاملاً في فضيلة من الفضائل المذكورة.

ربما هناك اختلاف جوهري من حيث أن أفلاطون يؤمن بفراق النفس للجسد، غير أن أرسطو يعدهما شيئاً واحداً، أفلاطون يرتقي بجدله الصاعد من الحسن إلى النفس إلى العقل إلى المُثل (الكليات العقلية) على أن أرسطو مادي المذهب، ينكر كل أثر للروح.

إذا كان أفلاطون يسعى إلى التدرج من طلب الفضيلة ارتفاعاً إلى تحقيق الخير الذي هو الغاية الأسمى للحياة الإنسانية، فأرسطو اكتفى بالقول أن السعادة هي الغاية الأسمى للحياة الإنسانية.

إذا أردت أن أمر مروراً سريعاً، على أهم المواضيع التي تناولها أرسطو، فإنه يولي اهتماماً خاصاً للسعادة، غير أنه مع ذلك يفلسف الحالة ويقول أن من الصعوبة بمكان أن يكون الإنسان سعيداً على الدوام،، أنه يضع شروطاً للسعادة، مثل شرف الموعد وجمال الصورة والصحة وحسن الأصدقاء، مع ذلك فإن أرسطو يقول أن الإنسان معرض للمرض والهرم وخسارة المال وفقدان الأصدقاء.

أرسطو يخالف رأي أستاذه أفلاطون، فيما يخص علاقة الأخلاق بالسياسة، أفلاطون يرى أن السياسة جزء من الإخلاص، أما أرسطو فهو يقول أن الأخلاق تابعة للسياسة، حجته في ذلك أن الأخلاق تهم سلوك الفرد، أما السياسة فتخطط بقيادة الجماعات.

أرسطو إذن يرى أن علم السياسة هو علم الخير الأعلى للإنسان، كونه يشمل أغراض العلوم الأخرى، وهدفه سعادة المجتمع.

الصفحات