أنت هنا

قراءة كتاب فلسفة الأخلاق بين أرسطو ومسكوية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فلسفة الأخلاق بين أرسطو ومسكوية

فلسفة الأخلاق بين أرسطو ومسكوية

كتاب " فلسفة الأخلاق بين أرسطو ومسكوية " ، تأليف د. ناجي التكريتي ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5

الـنـفـــس

إن هدف مسكوية الأول من كتاباته الأخلاقية، هو تقويم النفس، والحصول على الخلق الجميل، أنه يبدأ كتابه (تهذيب الأخلاق)، فيقول: إن غرضنا من هذا الكتاب هو أن نحصل لأنفسنا خلقاً، تصدر به الأفعال عنا كلها جميلة، أنه إذن يريد قبل كل شيء أن نعرف نفوسنا، وما هي الوسائل التي تزكيها فتفلح، وما هي الأشياء التي تعيقها عن طريق كمالها فتخيب.

مسكوية يريد إذن أن يؤسس فلسفة الأخلاق على النفس وقواها وملكاتها، وبما أن مسكوية مشائي في كليات فلسفته، يذكر أرسطو ويعتمد عليه في كثير من شروح آراءه وضرب الأمثلة، لا بأس إذن أن اذكر آراء الفيلسوف اليوناني، من خلال عرضي لفلسفة مسكوية وآرائه في النفس.

على الرغم من علمي في تاريخ الفلسفة، إن أول فيلسوف يبني الأخلاق على المعرفة هو سقراط، إن كلمة سقراط (أعرف نفسك) مشهورة في تأريخ الفكر الأخلاقي، أرسطو نفسه، فإن مصدره في كتاباته الأخلاقية، هما سقراط وأفلاطون، إضافة إلى من سبقهما من فلاسفة اليونان.

أما مسكوية، إذ على الرغم من تأثره بالفلاسفة اليونان والمسلمين، فهو يرجع إلى مصدره الأول (القرآن الكريم)، أنه يشير إلى قول الله عز وجل ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها وقد خاب من دسّاها.

من الجدير بالذكر هنا، إن أغلب فلاسفة الإسلام، أقاموا فكرهم الأخلاقي على النفس وقواها ووجودها وخلودها: كالكندي والرازي والفارابي ويحيى بن عدي وابن سينا والغزالي وابن باجه وابن طفيل وابن رشد وابن حزم وغيرهم.

النفس عند مسكوية ليست بجسم ولا جزء منه ولا عرضي، بل هي جوهر بسيط غير محسوس بشيء من الحواس، أنها لا تستحيل ولا تتغير، كما يستحيل ويتغير الجسم، هي إذن جوهر مغاير لجوهر الجسم.

إن لكل جسم صورة، وهو لا يقبل صورة أخرى إلا بعد مفارقته الصورة الأولى مفارقة تامة، إذا اتخذ الجسم مثلاً صورة المثلث فإنه لا يقبل صورة المربع أو الدائرة إلا بعد أن يفارقه الشكل الأول أنه لا يقبل الصورتين معاً، وذلك لاختلافهما.

الجسم يخلص لصورة واحدة تمام الوضوح، مثال ذلك إذا قبل الشمع صورة نقش في الخاتم، لا يقبل نقشاً آخر، لا إذا زال النقش الأول، مع أن أنفسنا تقبل صورة الأشياء على اختلافها من المحسوسات والمعقولات على التمام والكمال، من غير مفارقة للرسم الأول، الصورة الأولى تبقى تامة كاملة، ثم تقبل النفس بعد ذلك صورة بعد صورة، دون أن تضعف أو يطرأ عليها شيء من القصور، النفس إذن لا يلحقها فتور ولا تعب ولا كلال.

يأتي مسكوية بمثال آخر ما يثبت إن النفس تباين الجسم وتتميز عليه، إن الجسم له صورة الطول والعرض والهموم، وبهذه الخواص صار الجسم جسماًن ولكن النفس لا تعتبر طويلة أو عريضة أو عميقة.

النفس عند فيلسوف إغريقي كبير مثل أرسطو، أساس الحياة، مع ذلك فهو يقول أن من الصعوبة جداً معرفة أمر جوهر النفس، ومع أن النفس في نظر أرسطو واحدة، إلا أن قواها متعددة، أن هذا بلا شك بسبب تأثير أفلاطون عليه، لقد بقي أرسطو يرى أن النفس لا يمكن أن تفعل أو تنفعل بغير جسم، الغضب والرغبة وحتى الفكر، لا يمكن أن تكون بغير جسم، إن كل النزعات النفسية، مثل السرور أو الحزن أو الغضب تحدث تغيراً في الجسم.

نلاحظ أن أرسطو، يستشهد بالفلاسفة السابقين، فيما يخص أمر النفس، أنه يشير إلى الفلاسفة اليونان والقدماء، قائلاً أن السابقين، قالوا أن المتنفس يختلف عن غير المتنفس بالحركة والإحساس، يذكر أرسطو أيضاً، إن بعضهم يقول: مشيراً إلى فلاسفة متقدمين- إن النفس هي الجوهر المحرك، ولذلك قال ديمقوقريطس، إن النفس نوع من النار، وإن ذراتها كروية، لأن الذرة الكروية تكون قادرة على الحركة والنفاذ.

لهذا السبب، فإن الفلاسفة الذريين، مثل ديموقريطس ولوقيبوس، يذهبون إلى أن النفس هي التي تمنح الحياة للجسم، وهي التي تجعله قادراً على الحركة، إن الكائن الحي يبقى حياً، مادام قادراً على أخذ هذه الذرات مع التنفس، يعقب أرسطو من أن الفيتاغوريين يؤيدون الذريين، لأن بعضهم يقول أن النفس هي غبار الهواء، وبعضهم الآخر يقول أنها تحرك الغبار، على كل حال، فإن الفيتاغوريين يرون أن النفس تحرك نفسها، فإذن عندهم أن أهم ميزة للنفس وهي الحركة وبسبب رأيهم هذا، فإن كل محرك هو في الوقت نفسه يتحرك.

يضيف أرسطو قائلاً: ويذهب انكساغوراس إلى أن النفس هي الجوهر المحرك، كذلك عند انكساغوراس أن العقل هو الذي يحرك العالم، يذكر أرسطو أيضاً، أن النفس عند أنباذوقليس مركبة من العناصر الأربعة: التراب والماء والهواء والنار، وأن كل عنصر هو نفس أيضاً.

أما عندما يذكر أرسطو، أستاذه أفلاطون، فهو يقول أن أفلاطون في كتابه (طيماوس) عنده أن النفس تتكون من العناصر، وإن النفس محركة ودرّاكة.

أؤيد ما ذهب إليه أرسطو، من أن أفلاطون يعالج قضية النفس وعناصرها في كتاب (طيماوس)، أود أن أضيف أن أرسطو قد فاته أن يذكر أن أفلاطون يسهب القول في محاورة كاملة عن خلود النفس، هي محاورة (فيدون) ويذكر فيها أيضاً أن النفس هي التي تدرك وتحرك، وما الجسم إلا آلة النفس.

يبدو لي أن أرسطو نظر إلى الموضوع هنا من الناحية الطبيعية فقط، وتجاهل الناحية الأخلاقية، وإلا فإن أفلاطون قد ناقش قضايا النفس في أكثر من محاورة، أنه إضافة إلى كتابي (طيماوس) و(فيدون) فقد ناقش أفلاطون أمر النفس في كتب أخرى، مثل: (الجمهورية) و(فايدروس) و(المأدبة) وغيرها.

يذكر أرسطو أيضاً، أن بعض الفلاسفة ذهبوا إلى أن النفس نار، وذلك لأن النار أخف العناصر، ولأن هرقليطس يقول أن النفس عنده نار، وهي مبدأ الأشياء وفي حركة دائمة، أما حين يستشهد بطاليس، فيرى أرسطو أن طاليس في هذا الصدد، فالنفس عند ديوجينوس هي الهواء، لأن الهواء ألطف الأشياء.

ينتهي أرسطو من عرضه لآراء الفلاسفة قبله في النفس فيقول: وهكذا، فجميع الفلاسفة يتفقون بأن النفس تتحرك وتحس، وأنها غير جسمية.

الصفحات