أنت هنا

قراءة كتاب فلسفة الأخلاق بين أرسطو ومسكوية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فلسفة الأخلاق بين أرسطو ومسكوية

فلسفة الأخلاق بين أرسطو ومسكوية

كتاب " فلسفة الأخلاق بين أرسطو ومسكوية " ، تأليف د. ناجي التكريتي ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6

ينتقد أرسطو بعد ذلك، المذاهب السابقة في النفس، النفس في رأي أرسطو لا تتحرك، وإن الجسم فقط الذي يتحرك.

النفس إذن في رأيه، محركة غير متحركة، يتابع نقده قائلاً: إذا تحركت النفس إلى أعلى فهي النار، وإذا تحركت إلى أسفل فهي الأرض، ولكن هاتين الحركتين تخصان الأجسام النار والأرض.

إذا قلنا كذلك، إن النفس تتحرك بالتنقل، فمعنى هذا أنها تبتعد عن الجسم فيموت ثم تعود إليه، وهذا يعني أن الأحياء تعود إليها الحياة من جديد، بعد أن تعود إليها النفس، ومع أن النفس في رأي أرسطو تحفظ الجسم، لكنها إذا فارقته فسد وتلاشى في الحال.

يذكر أرسطو، أن أفلاطون في كتاب (طيماوس) يقول أن النفس تحرك نفسها وتحرك الجسم في الوقت نفسه، لأنها متداخلة فيه، يقول أرسطو، أننا نتصور حالات النفس، كالفرح والألم والخوف والغضب والحس والفكر، أنها حركات، حتى لو فرضنا أن هذه الأحوال حركات، فإنها حركات لأعضاء جسمية، الغضب مثلاً حركة خاصة بعضو القلب.

ليست النفس هي التي تغضب أو تحب، بل الأولى أن نقول أن الإنسان يفعل ذلك عن طريق النفس، النفس إذن لا تتحرك فهي لا تحرك نفسها.

عندما يستعرض أرسطو المذهب الأورفي، في أن النفس تنفذ من عالم خارجي إلى الكائنات عند التنفس، يرد عليهم قائلاً: لقد فات هؤلاء أنهم كتبوا، من أن الكائنات النباتية والحيوانية لا تتنفس، أرسطو لا يتفق أيضاً مع طاليس، الذي يقول إن العالم مملوء بالأنفس، وذلك لأن أرسطو يؤمن بوحدة النفس، أرسطو حين يلاحظ أن بعض الحيوانات تنقسم، كما تبقى في الجزء المفصول، أي أن جميع أجزاء النفس الأصلية تبقى في كل وحدة أو عضو مشطور عن الأصل.

أرسطو إذن يفرق بين النفس والجسم، وأن النفس عنده صورة الجسم، يجد أرسطو النفس بأنها كمال أول الجسم طبيعي آلي، كما أن النفس عنده لا تفارق الجسم، لأنه يمكن أن توجد نفس بلا جسم، إن من الجدير بالإشارة، إن أرسطو يسند رأيه هذا إلى من سبقه من الفلاسفة، إذ يقول: صح ما ذهب إليه بعض المفكرين، إن النفس لا توجد بغير جسم، هذا يعني أن الرأي إذن ليس له، بل هو قد اقتبسه من السابقين.

النفس عند أرسطو علة الحركة، بل هي أساس الحركة، لا شك أن الفكرة هذه أفلاطونية، ناقشها أفلاطون بالتفصيل في محاورة (فيدون).

أما قوى النفس عند أرسطو فهي خمس، وهي: الغاذية والنزوعية والحساسة والمحركة والمفكرة، هذه القوى توجد جميعاً في بعض الكائنات، وبعض هذه القوى يوجد في كائنات أخرى، كما أن نوعاً من الكائنات لا يوجد فيه إلا قوة واحدة فقط، النبات مثلاً، ليس غير القوة الغاذية.

القوة الغاذية توجد في الإنسان والحيوان والنبات، وظيفتها التغذية والتوليد، يمكن القول أن هذه القوة عند أرسطو أقرب إلى القوة الشهوانية عند أفلاطون.

أما القوى النزوعية والحساسة والمحركة، فتوجد عند الإنسان والحيوان، يمكن مقارنتها جميعاً بصورة متداخلة، بالنفس الغضبية عند أفلاطون، أما المفكرة فيرى أرسطو أنها عند الإنسان فقط، يمكن مقابلتها بالقوة العاقلة والناطقة عند أفلاطون، نلاحظ إذن أرسطو يبقى تحت تأثير أستاذه أفلاطون، فيما يخص تقسيمه لقوى النفس.

النفس عند مسكوية أشرف من الجسم، لأن الجسم وقواه لا تعرف العلوم إلا من الحواس، الجسم يعرفها ويتشوقها بالملابسة والمشابكة كالشهوات البدنية ومحبة الانتقام والغلبة، كل هذه يتوصل إليها عن طريق الحس، ويزداد بها قوة وكمالاً، بينما يزداد كمال النفس كلما ابتعدت عن تأثير الحواس، واتجهت نحو العقل، إن طبيعة النفس إذن مغايرة لطبيعة الجسم، وأشرف منه جوهراً وأفضل طبيعة.

وعلى الرغم من أن جوهر الجسم يبقى محصوراً في إُيثار اللذات الجسمانية، نرى أن جوهر النفس يحرص على معرفة حقائق الأمور الإلهية، ويميل دائماً إلى الأمور التي هي أفضل من الأمور الجسمانية، وانصرافه تماماً عن اللذات الجسمية، أن سعي جوهر النفس، على تحصيل اللذات العقلية خير دليل على أن جوهر النفس يختلف عن جوهر الجسم، لأن كل جوهر يتشوق إلى ما يلائم طبيعته، جوهر النفس أشرف من جوهر الجسم، مادام الأول يتطلع إلى الأمور العقلية والحقائق الإلهية، على أن الثاني يتجه إلى الأمور الجسدية.

ومع أن النفس تأخذ كثيراً من مبادئ العلوم من الحواس، ولكن هذه المعلومات تبقى في دائرة الحواس فقط، لأن الحواس لا تدرك غير المحسوسات، أما النفس فلها مبادؤها الشريفة، التي تبني عليها القياسات الصحيحة، وهي معقولاتها التي لا تستعين عليها بشيء من الجسم، أن هذه المعقولات تدرك أسباب الاتفاقات وأسباب الاختلافات بين المحسوسات، إذا حكمنا مثلاً على الحس أنه صدق أو كذب، لا نأخذ هذا الحكم من الحس، لأن الحس لا يضاد نفسه فيما يحكم به، بينما النفس العاقلة تدرك كثيراً من أخطاء الحس، فحاسة البصر مثلاً تخطئ فيما تراه عن قرب وبعد، أن الخطأ في المدى البعيد، في رؤية قرص الشمس صغيراً، مع أن البرهان العقلي يشهد بأن الشمس تكبر الأرض مائة ونيفاً وستين مرة، أما في المدى القريب، فيرى البصر، الشيء معوجاً بينما هو مستقيم، أو يرى الشيء مكسوراً وهو في الحقيقة صحيح، أما العقل فإنه يستخرج من مبادئ عظيمة، ويحكم عليها أحكاماً سليمة، الحال نفسه ينطبق على باقي الحواس، فمثلاً حاسة الذوق تخلط في الحلو فتجده مراً.

نستخرج من كل هذا، إن الحس لا يعطينا الأحكام الصحيحة، أنه يكذب مرة ويصدق مرة، غير أن النفس إذا علمت أن الحس لا يصدق في حكمه، اتجهت إلى ذاتها وجوهرها وإلى العقل، فتدرك المعقولات، بينما الحواس لا تدرك ذاتها.

يظهر مما تقدم إذن أن النفس ليست بجسم، وإنما هي شيء آخر مفارق للجسم، بجوهره وأحكامه وأفعاله.

الصفحات