أنت هنا

قراءة كتاب الدماغ البشري

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الدماغ البشري

الدماغ البشري

كتاب " الدماغ البشري " ، تأليف سامي أحمد الموصلي ، والذي صدر عن دار دجلة

تقييمك:
1
Average: 1 (1 vote)
الصفحة رقم: 7

ويرد جون لويس على هذه الأفكار بقوله [17] بأننا لا نتحدث عن جسد وعقل كما لو كانا منفصلين وكلاهما وجد بنفس الطريقة ، إن الأجساد توجد فعلا بوصفها كيانات مادية إلا أن العقل واقعي أو حقيقي بوصفه وظيفة وليس كمادة عقلية ، والعقل يعني أن الكيان العضوي يفكر ولا تصدر عنه ردود فعل فقط كما يفعل فأر مختبر تجاه قطعة من الجبن ، وما يمثل أمامنا هو الواقع الذي لا سبيل إلى الشك فيه لأناس من أمثال فرنسيس كريك وجاكس مونود ذاتهما .

وهكذا تتأكد فرادة الإنسان وكما يقول توينبي ( بظهور الوعي يتجأوز تطور الحياة النفسي والاجتماعي مرحلته البيولوجية الصرفة ...إن وعي الإنسان قد أعطى الإنسان سموا على جميع أنواع الكائنات الأخرى ، كل هذا من خلال عقله ووعيه اللذان لا يمكن ردهما إلى التفاعلات الكيميافيزيأوية ) .

ولم تقف التفسيرات الفيزياكيمياوية مكتوفة الأيدي أمام دعاة تميز العقل عن الدماغ وخاصة بعد الاكتشافات الكبيرة لكهربائية الدماغ وسيبرناطيقية سلوكه ، لذا فقد طرحت أفكار إن لم تكن علمية تجريبية فهي قريبة إليها ، من هذه الأفكار تفسير نشاط الدماغ الشبيه بالكمبيوتر على انه نشاط بايوالكتروني ، أي أن النشاط يشبه عمل الأجهزة الكهربائية كالتلفزيون مثلا لكنه على أساس حيوي لامادي صناعي .

يقول بعض من فسر هذا إن الفجوة بين الإنسان والحيوان تكمن بالقوة الخاصة التي يتمتع بها الجهاز العصبي للإنسان ، فهي أكثر الخلايا قابلية للتعقيد والتضخم ، وان هذا التعقيد هو الذي جعل نشأة المخ الإنساني ممكنة وهو الفرق الأكبر بين الإنسان والحيوان ، وعلى ذلك ( يكون الإنسان هو الحيوان الذي نما جهازه العصبي نموا خارقا ، كما كانت الحياة هي المادة التي نمت فيها مركبات الكربون نموا خارقا ، وبعبارة أخرى يمكن القول بان ذرة الكربون شذت عن غيرها من الذرات بقدرتها على تكوين عدد لانهاية له من المركبات فكانت الحياة ، وكذلك شذت الخلية العصبية عن غيرها من الخلايا بقدرتها على النمو نموا خارقا باتحادها مع مثيلاتها ، وبذلك تكونت الفصوص المخية الخاصة بالإنسان ، وليس الشذوذ في كلتا الحالتين صدفة أو عفوا ولكنه من غير شك نتيجة تركيبية داخلية خاصة بذرة الكربون والخلية العصبية )[18] .

وهكذا يستنتج دعاة هذا الرأي أن ( المخ هو عضو العقل كما تكون العين عضو البصر على فرق بينهما إن العلاقة بين فسيولوجيا العين والبصر واضحة على حين أن المطابقة بين فسيولوجيا المخ ووظيفة العقل ليست واضحة تماما ولا تزال فسيولوجيا المخ في حاجة إلى كثير من الدرس )[19] .

أما كيفية دخول الإلكترون إلى هذا التفسير فتظهر لديهم من خلال عمليات القطع في المخ التي تبين أنها لا تفقد ذاكرة الإنسان أو علمه أي أن هناك دليل على أن فسيولوجيا المخ لم تكن فيزيائية ولا كيميائية ولا تشريحية ، ولم يستطع احد أن يتبين طبيعة هذه الفسيولوجية حتى وقت قريب جدا عندما كشفت الخواص الالكترونية ، هذه الخواص تمهد السبيل إلى فهم فسيولوجيا المخ وعلاقتها بسيكولوجيا العقل .

على أن من دعا إلى هذا التفسير يستدرك انه لم يثبت بعد ثبوتا قاطعا أن عمل المخ الكتروني صريح ولكن فسيولوجيا المخ من غير شك تقوم على قوة إن لم تكن الكترونية فعلا فهي قريبة جدا منها ، ويقول صاحب هذا الرأي بما أن انقسام الخلية منظم تنظيما لا يمكن تصوره على أساس كيميائي أو فيزيائي وإنما يمكن تصوره على انه الكتروني ، كذلك القوة العقلية التي يستطيعها المخ إنما يستطيعها بقوة شبيهة غاية الشبه بالقوة الالكترونية.

إن ما يهمنا هنا ليس التفسير الالكتروني هذا وإنما محاولة المقاربة الممكنة بين العقل والدماغ فدعاة هذا الرأي يعتقدون بأن القوانين الفيزيائية والكيميائية من المستحيل أن تقدر على تفسير الذاكرة البشرية أو الحب أو الضمير لان هذه من الدقة والحد الذي يكون لكل فكرة أو إحساس معنوي مادة كيميائية خاصة به أو ضغط كهربي خاص ، ثم إن الأعمال العقلية العنيفة لا يصحبها زيادة في استهلاك الأوكسجين مما يدل على أن العمليات العقلية ليست كيميائية ،ومن المستحيل أن نتصور إنشاء شعر جميل على انه عمل كيميائي فيزيائي بذلك –كما يقول صاحب هذا الرأي-كان حتما على العلماء القدماء أن ينبذوا الرأي القائل بان اثر تركيب المخ هو اصل وظيفة العقل .

أما بعد اكتشاف القوة الالكترونية حينما تبين أننا نستطيع أن نؤثر في المواد تأثيرا لا يغير من كيميائيتها ولا من فيزيائيتها وإنما يرتب الكتروناتها ترتيبا يختزن هذا التأثير ويستعاد عندما يراد ذلك مثل شريط التسجيل الذي هو أشبه بالذاكرة يمكن تفسير العقل على ضوئه ،وهكذا يقولون –أن كل مؤثر خارجي يخلق بواسطة حواسنا مسالك الكترونية في المخ وهذه المسالك نفسها تصبح طريقا معبدا للمؤثرات التي تحدث بعدها فتسير فيها وقد تعترض طريق مؤثرات أخرى فتقف في طريقها .

لقد وصل هذا الرأي إلى أن المخ بنشاطه الالكتروني يفرز وظائف معنوية عدة منها الذكاء والعقل والضمير والتي صار بها الإنسان أرقى الكائنات الحية ، أما وظيفة المعرفة فيقولون أنها وظيفة عرضية وليست حتمية وليست من ضرورات الوظائف الحيوية بل هي ترف صادفه العقل فأوغل فيه واستعذب نتائجه وأصاب منه فوائد كثيرة لم تكن في أول الأمر واضحة أو مقصودة أو محتملة .

إن المخ بخواصه الالكترونية والكيميائية والفيزيائية والحيوية جماع كل قوانين الكون وهي مركزة فيه تركيزا شديدا وهو سبب تجاوب المخ مع قوانين الكون ( فالمخ وهو جماع القوانين الكونية كلها في صورة مصغرة لا يعدو أن يكون عضوا نظامه اقرب ما يكون إلى نظام الكون/ وكل حدث في الكون أو كل قانون من قوانينه يجد في المخ تجاوبا معه وتوافق النغم بين الاثنين أمر محتمل جدا ) [20].

على أن هذا الحديث النظري لم يقف عند هذه الحدود فقد ظهرت بشكل واضح في القرن العشرين دراسات عن الظواهر الخارقة لدى بعض الناس مثل التخاطر وسبق المعرفة والاستبصار وتحريك الأشياء بقوة العقل وحده ...الخ وبعد دراسات عديدة للتوثيق تبين حقيقة وجود مثل هذه الظواهر ولكن التفسير العلمي الفيزيائي والكيميائي لم يستطع أن يؤدي دوره فيها فعجزت كل معطيات العلم التجريبي المعاصرة عنها وظهر علم الباراسيكولوجي لتأكيد هذه الحقائق وكان مما خلصت إليه هذه الدراسات في تفسيراتها للظواهر الخارقة تأكيد الحقائق التالية ( إن الباراسكولوجي الذي يبحث الخوارق البشرية المعروفة قديما وحديثا إنما يبرهن بشكل أساسي على أن هذه الخوارق البشرية كان لها من طبيعة الإنسان أساسا ترجع إليه ، ومن القدرة العقلية للإنسان على توظيف معطيات الطبيعة لخدمته حق الوجود الاستثنائي والسيادي للإنسان على الطبيعة ، فالباراسيكولوجي إذن يبحث علميا بهذه الظواهر وكيفية حدوثها وتجاوزها لما يعرفه في الطبيعة من قوانين أكدتها مختبراتها ونظرياتها الموثوقة ، انه علم طبيعي ولكنه استثنائي لأنه يبحث ظواهر توصف أساسا بأنها استثنائية خارقة تتجاوز المعروف والاعتيادي والمألوف ، ولكنها في الحقيقة تخضع لطبيعة الإنسان ونفس الإنسان وعقل الإنسان إذا لم نقل دماغ الإنسان نفسه )[21] .

وقد سبق لعلم النفس أن أكد أن هناك قدرات خارقة للاشعور في الإنسان تتجاوز القدرات الطبيعية للشعور والوعي ، اظهر كل ذلك ممارسات التنويم المغناطيسي والعلاج النفسي التحليلي وقد ثبت أن اللاشعور يمارس نشاطه في الجانب الأيمن من الدماغ المسؤول عن الإيمان والانفعالات .

كل هذا كان خلفية لإبراز قدرات العقل التي تتجاوز طبيعته المادية وقدراته المعروفة

على أن هناك شبه إجماع بين العلماء على أن هناك طاقة في الدماغ –العقل تتجاوز كل ما هو معروف ، لذا كان لابد للعلم أن يبحث تجريبيا عن هذه القدرة والطاقة الخارقة ، ولكن كل معطيات العلم التجريبي وحتى نظرياته وقوانينه بقيت عاجزة عن إعطاء التفسير الكيميائي والفيزيائي لهذه الطاقة حتى تم الحديث عن أنها قد تكون طاقة خامسة غير معروفة علميا بعد فلا هي طاقة كهرومغناطيسية ولا جاذبية ولا نووية ضعيفة أو قوية وهذه هي الطاقات المعروفة للعلم ،

وهكذا بدأت سيادة طاقة غير ملموسة وتعرف بآثارها فقط على بحوث الدماغ والعقل فكانت من النظريات التفسيرية المقربة لها القول بأنها طاقة نشاط بايوالكتروني فكيف حدد هؤلاء العلماء هذا التفسير ؟

الصفحات