أنت هنا

قراءة كتاب انهيار الإمبراطورية الأمريكية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
انهيار الإمبراطورية الأمريكية

انهيار الإمبراطورية الأمريكية

كتاب " انهيار الإمبراطورية الأمريكية " ، تأليف د. عبد علي كاظم المعموري ، والذي صدر عن

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
الصفحة رقم: 3

المقدمة

تنتاب الوضع الأمريكي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً الآن، علائم قوية إيذاناً بدخول مرحلة جديدة، على خلفية عقدين من المخرجات السياسية والاقتصادية التي راكمت العديد من مظاهر الوهن، على مختلف الأصعدة، مما يفتح المجال واسعاً لمراجعة شاملة لحصاد التهور والعنجهية الدولية والفشل في الإدارة على كافة المستويات، هذا الحصاد الذي تركته (إدارة بوش- تشيني)، لإدارة (أوباما - بايدن)، لم تكن أكلوه مثمرة للشعب الأمريكي وشعوب العالم، بل كانت حزمة من المآسي الإنسانية والفقر والجوع ومشاكل اقتصادية وسياسية جدُ معقدة، فالصورة التي تختزنها الذاكرة الإنسانية لأمريكا، يصعب تغييرها من نظراً لطبيعتها الدموية والوحشية، فهي صورة بشعة - لا انسانوية - متناقضة - تزيفية - وذرائعية.

نعتقد أن عوامل التآكل في منظومة النظام السياسي والاقتصادي الأمريكي، باتت تفعل فعلها، وهو ما يأذن ببدء تدهور الإمبراطورية السادسة، وعلى وفق ثلاثية ابن خلدون، وهي في هذا تعد أسرع الإمبراطوريات التي انتابتها الشيخوخة المبكرة، لتخرجها من سطوة العالم.

لم يعد بمقدور الرئيس الأمريكي الجديد (أوباما)، بعد من مرور سنة من الحكم أن يصلح ما افسد سابقه، فكلاهما يستند على فريق عمل من المحافظين أو من المتطرفين، والفرق بينهما هو أن أوباما يستخدم لغة ناعمة مع التلويح أحياناً بالقوة، في حين كان سابقه يزعم أن له صلة بالرب، ويوحي له باحتلال هذا البلد أم ذاك، ونشر الديمقراطية هنا وهناك.

من المؤكد أن الرئيس بوش بقى متأثراً ومنقاداً من دون وعي إلى الشعوذة التي جرى تلقينه إياها على يد أباء (الكنيسة المعمدانية) والإنجيليين الجدد، وهو ما أريد منه تزييف عقل المواطن الأمريكي، الذي لا هم له إلا المحافظة على نمط عيشه أو أن يكون قادراً على تأمين أقساط سيارته وبيته المرهونة إلى المصارف.

مثلما لم فشل بوش في استجلاب الخير والأمان والحرية والديمقراطية للعراق على خلفية قراره باحتلاله، فأنه فشل في إيقاف السلوك الصهيوني الهمجي تجاه الفلسطينيين، ولم يصدق في قوله أنه ولايته الأولى ومن ثم الثانية، ستشهد ظهور الدولة الفلسطينية المنتظرة.

بينما أوباما كان أقل فعلاً وأكثر ضعفاً، فكلامه المنمق ومحاولته لتصدير أسلوب القوة الناعمة، هي الأخرى لم تقدم شيئاً، ولم تعد تحظى بالمقبولية، فلا العراقيين تخطوا أوضاعهم البائسة في ظل الاحتلال الأمريكي، ولم تتوافر للفلسطينيين أمكانية إيقاف التلاعب المتكرر للحكومات الصهيونية بالاتفاقات التي جرت بمباركة أمريكية، بل ازداد الحال سوءً، فلا الإبادة الإنسانية من خلال التجويع عبر الحصار على غزة قد جرى إيقافها، وكذا الأمر مع عمليات الاستيطان الجديد التي تحاول (إسرائيل) فرضها كأمر واقع لم يكن بمقدور الإدارة الأمريكية إيقافها.

بيد أن ما يتم تأشيره كإرث للإدارات الأمريكية المتعاقبة، وعلى لسان الكتاب الأمريكان وحلفائهم الأوربيين، من أن سياسات أمريكا بعد الحرب الباردة عملت على تدنية (Minimization) منافع الفرصة السانحة التي أتيحت لها، وان نتائج تلكم السياسات المزيد من الاستغلال للشعوب وإذلالها وازدياد مساحة الكراهية على النطاق العالمي، هذا خارجياً، وفي الداخل الأمريكي المزيد من الفقر والتراجع في تأمين الحاجات الأساسية لأغلب السكان، والجهة التي استفادت تماماً من السلوكيات الأمريكية بامتياز هي(إسرائيل)، حتى غدت ظل أمريكا في الأرض، فمن العراق إلى إفريقيا إلى جورجيا وإلى الأرجنتين وأمريكا الوسطى، تجد أن هناك تواجد وتدخل وفعل إسرائيلي.

إن مظاهر التهتك في الممكنات الأمريكية باتت لا تحتاج إلى دلالات، فالقوة العسكرية الأمريكية على الرغم من حجمها وأهميتها، إلا أنها فشلت فشلاً ذريعاً في حسم الأمور سواءً في العراق أم في أفغانستان، كما أن بالونة (أزمة) الرهن العقاري والفقاعة المالية، كشفت عن الوهن الذي ينتاب الاقتصاد الأمريكي، مما يدلل على أن أمريكا دخلت عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية باقتصاد كبير وقطاع صناعي حجمه (39%) من أنتاج العالم وعملته (الدولار) عملة التسويات الدولية، وبعد أكثر مرور ما يقارب (60) عاماً، لا نجد أي من هذه الممكنات ذات فاعلية تذكر، مما يعني أن أمريكا تخضع العالم لمشيئتها من دون أية مزيات حقيقية، حتى افتقرت سلوكياتها تجاه شعوب العالم إلى أبسط المعايير الأخلاقية الحاكمة لخطابها السياسي.

ونعتقد أن أدارة أمريكا الحالية (وبعد مرور أكثر من سنة)، وعلى تراث الغلواء في الذاتانية الأمريكية، يجب أن تدفع الثمن، وسيكون كبش الفداء على مذبح الإمبراطورية الآفلة لنجمها مبكراً، والتكاليف الإنسانية العالية، سيان سواء أكان جمهورياً أم ديمقراطياً، ولا خيار بديل، ففي الحالتين، إما فقدان أمريكا لفرصتها (هزيمة مشروعها) في تسيد العالم، أم انكفاء ممنهج.

لا أحد يختلف على أن سنوات ما بعد انتهاء الحرب الباردة قد حملت هموماً إنسانية مضافة لما شهدته طوال القرن الماضي بدمويته المعروفة، فقد شهد العالم قيام حربين عالميتين، ومئات الصراعات المسلحة، وأنتج في هذا القرن من أسلحة الدمار الشامل ما يفني البشرية عدة مرات، وبجانب ذلك كله فأن الانجازات العلمية فاقت في حجمها وعمقها ما أنجزته البشرية على طول تاريخها.

هذا كله كان يحتضن في جنباته صراعاً كبيراً وقاسياً بين مختلف الأطراف التي تواجدت على الساحة العالمية، فبينما خاضت البلدان (الفقيرة) التي تم إخضاعها بالقوة من قبل البلدان الأوربية الرأسمالية (في سعيها للسيطرة على الأسواق والبحث عن الثروات)، نضالاً شاقاً لفك أسار استعمارها، نجد أن البلدان المتقدمة تتصارع فيما بينها لفرض الهيمنة لأحد أطرافها، وهو ما أدخلها في صراع دموي كانت حصيلة أكثر من (78) مليون قتيل، ثم ما لبث أن تعاهدت البلدان الأوربية بعد الحرب العالمية الثانية (التي استطاعت أن تخرج منها أمريكا الرابح الأكبر) على أن تنبذ الحرب نهائياً فيما بينها.

إن الشعوب المفجوعة بسيادتها ومستقبلها بتراثها وأبناءها، هي شعوب مقهورة تحت عناوين التحضر الغربي، ثقافياً وتكنولوجياً واقتصادياً، فسياسة التجويع باستخدام الغذاء، وسياسية التجويع بالديمقراطية ذات المقاسات الغربية- أو الأمريكية، والتجويع تحت ضغط القوة العسكرية الهمجية، كلها جعلت من هذه شعوب هذه البلدان تبحث عن ملاذات جديدة، طالما أنها غير قادرة بفعل نظمها السياسية الخانعة والمئمركة حد النخاع، إلى أن تنظم قواها بسرعة لمجابهة الطوفان الأمريكي- الأوربي الموحد، والذي يستهدف محو كل هويتها واستبدالها بهوية يقال عنها عالمية، كيما يراد منها أن لا تمتلك أي شيء، ولتستهلك كل شيء، ولا تعترض على أي شيء.

هذه الشعوب المقهورة ترى بأن أمريكا استطالت بتعسف على مجتمعات الأرض كافة، وبنت انجازاتها التي يمكن أن يرتقي الشك فيها، على أكتاف الأفارقة والملونين، ونهبت ممكنات الشعوب الأخرى علانية أو بأساليب، وأنتجت لشعوب العالم الثالث أعتى الديكتاتوريات المعروفة، وبدل أن تساعد البلدان الفقيرة وشعوبها الجائعة، وزعت القتل المنظم وغير الرحيم عليها، فما بال أمريكا أن تنتظر من كل هذا السجل الدامي، إلا أنها لعنت الشعوب، فقبلها ذاقت الإمبراطوريات طعم الارتداد والنكسة والانكفاء والهزيمة، فروح الشعوب الحية، تظل تقاوم حتى وأن كانت تحت ظلم الداخل وقهر الخارج.

شكراً لجيمس بل الذي صور لنا قهر الأمريكان للزنوج من خلال قصيدته الرائعة:

انك تتباهين بأنك أرض الحرية

إليك أرفع أغنيتي

انك أرض الدم والجريمة والخطأ.

الصفحات