أنت هنا

قراءة كتاب تحولات الدرس الأدبي المقارن في الأردن

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تحولات الدرس الأدبي المقارن في الأردن

تحولات الدرس الأدبي المقارن في الأردن

كتاب " تحولات الدرس الأدبي المقارن في الأردن " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

وبهذا يضعنا المناصرة أمام محاولة تأصيلية في تحديد منظومة مفهومية خاصة بنظرية المقارنة، وهو إجراء قلّ من سار به من المقارنين العرب، حتى الأوائل منهم، وعلى هذا الأساس يعد الدكتور عز الدين المناصرة هو أول منظّر بين المقارنين في فلسطين والأردن، والأقطار العربية الأخرى ينحو هذا النحو، وإنَّ ما قام به هاهنا ليؤكد لنا جانب الدقة العلمية في عمله المقارن، لأن تحديد هُويّة المصطلح تحديد لأطر المنهج وهويته، وخلاف ذلك هو محض اجتهادات فردية تقوم على مجرد افتراضات قد لا تسندها أي منهجية بحثية، أو نظرية علمية.

وبالعودة إلى تحديداته السابقة نستطيع الكشف عن الحلول الفكرية والمستندات الفلسفية التي أرساها (عز الدين المناصرة) لحل إشكالية المفاهيم في نظرية المقارنة، تلك التي عانت منها الدراسات الغربية، وتلتها العربية أيضاً، بشهادات كبار المقارنين في كلا الأدبين، لهذا فان تيغم (Van Tieghem) يعبّر عن إشكالية ذوبان الأدب المقارن، الذي هو دراسة العلاقات الأدبية بالتاريخ الأدبي، ويقول: " إنّ من الواجب أن نقدّم لجمهرة القرّاء لوحات تركيبية لعمر أدبي أو فترة أدبية طويلة إلى حدّ ما، تعطيهم فكرة صحيحة علىقدر الإمكان عن علاقات الآداب بعضها ببعض، وعن أمهات التأثيرات والتيارات العالمية... ولا بد لأمثال هذه الكتب العامة أن تكون مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأبحاث التفصيلية "(6) أي بالجوانب الشكلية والموضوعية التي تكشف مرجعيات النصوص في عمليات التأثر والتأثير، وتداعيات ذلك كلّه، سواء أكان ذلك داخل إطار التاريخ الأدبي أو خارجه وبطبيعة الحال، فإن حدوث مثل هذه الإشكالية وغيرها راجع في جزء كبير منه إلى التماهيات المفهومية، والتداخلات الاصطلاحية التي تسبب مثل هذه الإرباكات المعرفية في كثير من الأحيان، وأكثر من هذا أنها تسبب صراعات اجتماعية أيضاً (7).

على كل حال لا أحد ينكر ما تعانيه أي منظومة مفهومية لأي حقل معرفي حال التأسيس، بل في سيروته واتجاهاته المستقبلية، وإنّ جهد الدكتور المناصرة في هذا الجانب لم ينحصر بتتبع هذه المشكلات، فهي مثارة ومبحوثة في أدبيات غربية وعربية كثيرة، إنما يشار إلى أنّ الصياغة التحديثية للدراسة المقارنة عند عز الدين المناصرة تتمثل في جُماع منجزه في هذا الإطار، فضلاً عن نظرته للمقارنة على أنها نتاج لسيرورة تاريخية ثقافية سياسية معا ً، لذا فقد كان تجنب الباحث المناصرة لدراسة أي ظاهرة ثقافية أو أدبية دراسة مقارنة بمعزل عن تأسيسات تاريخية عميقة لفهم جذور المقارنة، بمثابة بيان جديد (لنظرية المقارنة)، ففي حين " ولد الأدب المقارن أولاً من تطبيق أمبريقي للأدب والثقافة الأدبية"(8).

يتصور المناصرة أنّ هذه الولادة لم تكن بمثل هذا اليسر وهذه السهولة، وإنما ينبغي تتبع جذور أساسية لكشف هاجس (الإحساس بالعالم) كما أسماه المناصرة، وقد بدأ هذا الإحساس " لدى الأمم القديمة من خلال الحروب والتجارة والهجرات والاحتكاك الثقافي بين الحضارات، فقد كانت الأفكار تنتقل من مكان إلى آخر بالقبول أحياناً، وبالقوة في أغلب الأحيان، ويأتي انتقالها كتحصيل حاصل لاحتكاك يتم لسبب أو آخر. ولدينا عشرات الأمثلة على وجود فعلي لهذا الاحتكاك الذي خلق شعوراً واقعياً بوجود (آخر) و (آخرين) على هذا الكوكب، وخلق إحساساً بضرورة التعرف إلى الآخر واكتشافه. مع اختلاف صياغة (فكرة الآخر) ونموها، ومع اختلاف الأسباب التي تدعو إلى هذه المعرفة. ولكن كمية المعرفة القديمة للآخرين كانت ضئيلة، وظل (الإحساس بالعالم) اضطرارياً وذهنياً " (9).

ولتأكيد نظريته هذه راح عز الدين المناصرة يتتبع المناخات المختلفة التي واكبت هذا الإحساس، من ظروف تاريخية، وإنسانية، وعلمية، فضلاً عن ملابسات النشاط الاستشرافي، والهجمة الاستعمارية العنيفة على أرض المشرق، وما تبعها من اختلاق إسرائيل، كدولة عنصرية وسط العالم العربي.... هذا إلى جانب ما نجم عن (النهضة) وتأثيراتها الثقافية، ومظاهر الاتصال بالغرب، وظهور النفط وتحولاته الاجتماعية وغير ذلك. لذا يصر المناصرة على عدم براءة الفعالية المقارنة أو النشاط المقارن، وهو يضع أمام المحلل تساؤلاً مهماً حول فنية الظاهرة المقارنة، بمعنى هل المقارنة ظاهرة فنية فحسب؟! لعل الإجابة كامنة فيما ذهب إليه المناصرة من أن " الأدب المقارن نشأ بين أثرين:

• الأثر الإيديولوجي: عالمية القرن الثامن عشر التي تبلورت مع فكر فلسفة التنوير.

• الأثر العالمي: المناخ الذي ساد فرنسا في الربع الأول من القرن التاسع عشر، حيث كانت مناهج العلوم هي النموذج بالنسبة للأدب.

ولهذا ظلّ الأدب المقارن، يتأرجح بين محاولة تقليد دقة العلوم، وبين الإيديولوجيا وتحولاتها المتنوعة والمتصارعة " (10).

وعلى هذا الأساس يقرأ المناصرة كليّات الظاهرة الأدبية عبر محاولة لسبر بنية التفكير في المجتمع، وفي هذا السياق يحدد ملمحاً مهماً للثقافة العربية، ليكشف أنّ هذه الثقافة تحيا في نموذجين، وهو هنا يقدّم تحليلاً فكرياً عميقاً لكل منهما، ومع أنّه يلتقي مع تصنيف (أدونيس) لبنية الثقافة العربية المطروح في كتابه (الثابت والمتحوّل: بحث في الإبداع والإتباع عند العرب) إلا أنّ المناصرة يستخدم مصطلحي (التقني التحديثي / والسلفي) كما أنّ تحليله لآليات عمل كل منهما يتخذ مساراً موجهاً، يقول المناصرة: " نحن في العالم العربي أمام نموذجين: الأول تقني، والثاني سلفي. وفي النهاية يلتقي التحديثي مع السلفي في الوظيفة من حيث نفي الذات. فهما يختلفان في طرق وأساليب تأويل العالم فقط، لكنهما يخدمان هدفاً واحداً، وهو تكريس سلطة الدولة القطرية التابعة لمراكز القوى الرأسمالية العالمية.

أما السلفي، فهو يرفض التعرّف إلى الآخر، أو حتى الاعتراف بوجوده، كواقع موضوعي، ينبغي مواجهته أو محاورته. والسلفي يصرّ على تأطير الماضي كنموذج ثابت، ويرفعه إلى مرتبة القداسة التي لا تُمس، وهو أيضاً يرى في هذه الأصولية السلفية الماضوية، نموذجاً يحتذى في كل زمان ومكان، لمواجهة الأفكار الجديدة... وهكذا فإن القراءة السلفية تنطلق من قراءة المستقبل بواسطة الماضي بعد إعلائه... بل إنّ هذه القراءة السلفية تلتقي مع الإيمان الإمبريالي وبالتالي مع التبعية. وقد انعكس هذا الفهم على النص الأدبي والثقافي... أما التيار التقني فهو يغتصب الحداثة وينسبها لنفسه، لأنه يقدم مجرد ترجمة حرفية للنموذج الأورو - أمريكي، مع إضفاء صفة الحداثة والجدة عليه، فالتيار التقني يرى أن المسألة هي مسألة شكل، ولذا فهو يلجأ إلى التجريد هرباً من أمثلة الواقع، ولكي لا يتناقض مع سلطة الدولة التابعة القطرية التي ينتمي لها، يقيم صلة مع هذه السلطة لتبرير التبعية بوسائل جديدة جداً، ولكنها وسائل تكريس التبعية، لأن التيار التقني لا ينتجها، بل هو أحد عبيدها "(11).

أنجز (المناصر)، خمسة كتب أساسية في مجال (النقد المقارن) بشكل مباشر، وهي: (النقد الثقافي المقارن، 1988)، و(علم الشعريات، 1992)، و(الهُويات، والتعددية اللغوية، 2004)، و(علم التناص، والتلاص، 2006)، و(الأجناس الأدبية في ضوء الشعريات المقارنة، 2010).

الصفحات