أنت هنا

قراءة كتاب لذة النص وبهاء القراءة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
لذة النص وبهاء القراءة

لذة النص وبهاء القراءة

كتاب " لذة النص وبهاء القراءة " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 9

البُنى الصورية في ديوان(شبابيك أتعبها الانتظار)

لعلي البتيري

تظل القراءة المثلى للخطاب الشعري مشروعاً غير منجز ما دامت القصيدة كائناً حياً يسبح في فلك التلقي ودوائر الطرح الإبداعي، غير أن اقترابنا من هذا النمط من القراءة يظل هو الآخر عملاً منوطاً بكفاءة القارئ، ومدى امتلاكه لبصيرة نافذة، ورؤى شفافة تمكنه من وضع يده على السمات الأشد اشتهاراً وبروزاً في الخطاب المقروء. وديوان (شبابيك أتعبها الانتظار) لعلي البتيري (وزارة الثقافة، ط1، 2004) تلفّه متوالية من الصور التي تجعل من اليسير وصف بنيته الكلية بالبنية الصورية، إذ لم تعد تشكل الصورة في شعر البتيري أحد عناصر البناء الإبداعي في النص الشعري فحسب، بل صارت الصورة الشعرية بانثيالاتها وتتاليها وتداخلها هي البناء الشعري ذاته.. وهذه الطاقة العالية من الخائلية الإبداعية تؤسس لنمط جديد من الخلق الشعري الذي يشترط استعداداً قرائياً جديداً، ويتطلب من المتلقي طريقة في القراءة أقرب ما تكون إلى (البصرية) وما يتعلق بها من تداخلات التلقي البصري للفنون الأخرى (الفن التشكيلي، النحت، والعمارة، السينما).

تمثل عتبة الديوان (عنوانه) نموذجاً جديداً لطبيعة البناء الصوري، إذ تشكل جملة (شبابيك أتعبها الانتظار) مدّاً بصرياً يستثير القارئ لمواجهة دال لغوي لا يمكن محاورته أو الوعي به إلا من خلال تخيل لوحة سيريالية تمثل مجموعة من الشبابيك ذات السمة الإنسانية، وقد هزلت أطرافها واتكأت على مجموعة من العصي (العكاكيز) من شدة التعب، فضلاً عن تخيل قطرات العرق يتفصّد من جبين كل شباك منها، ويمكن أن تضيف الصورة بعض الملامح لعيون ذابلة مرهقة حزينة على طريقة سلفادور دالي.. غير أن البناء الصوري مهما كانت مستويات الدلالة فيه لا يمكن عزله عن بقية آليات الدلالة النصية (اللغوية) إنما ينبغي على القراءة خلق نوع من التقاطع والتشابك بين مختلف مستويات الدلالة.. فبالإضافة إلى تلقي الصورة بوصفها دالاً لابد من فهم الاختيار اللغوي لكلمة (شبابيك) بصيغتها الجمع، وكذلك كونها نكرة وما لهذين الخيارين من دعم لغوي معجمي للبنية الصورية الكلية فيها.

يمكن القول أن قصائد ديوان (شبابيك أتعبها الانتظار) تقترب من نمط القصيدة القصيرة، وهذا النمط من الشعر فيه خصوصية تميّزه، وربما يفقدها لو طالت القصيدة وغادرت قصرها؛ لأن القصيدة القصيرة كما يقول إحسان عباس «لابد أن تكون شكلاً يؤدي وظيفة لا تؤديها الأشكال الشعرية (أو الروائية الطويلة)»(15)، ويرى أيضاً أن هذا النمط من الشعر «عميق بإيماءاته.. والمدخل الصالح لقراءته أن نرسل أنفسنا على سجيتها، وأن نتخيل جميع الأبعاد الممكنة، وجميع الشحنات المستكنة التي تمثلها اللفظة أو الصورة»(16). وهي الطريقة التي أجدها جزءاً أساسياً من اشتغالي على ديوان (شبابيك أتعبها الانتظار) للوصول إلى تحديد للبنى الصورية فيه.

وبانتقالنا من عنوان الديوان نفسه إلى (عناوين القصائد) أود أن أشير إلى أن العنوان، في هذا النوع من القصائد تحديداً، هو جزء لا يتجزأ من القصيدة ذاتها، أعني أنه أحد الدوال التي لا ينبغي إهمالها في عملية القراءة، وقد أطلقت الدراسات السيميائية الحديثة اسم (العتبات) على عناوين الأعمال الأدبية على اعتبار أن العتبة موقع ومكان بدء وانطلاق من الخارج إلى الداخل(17).

وبالعودة إلى علي البتيري، واختياره في العنونة لقصائد شبابيك (أتعبها الانتظار) يمكن رصد تكوينات صورية يمثل كل عنوان فيها (لوحة) مفتوحة على أفق النصّ أحياناً، فهي مدخل وبدء، ويمكن ملاحظة لوحات مستقلة تشكّل نصوصاً موازية (paratextuality)، أي أن اللوحة في العنوان هي بناء صوري مصغر للبناء الصوري داخل القصيدة كلها. فمثلاً (وردة الفجر) (المتوهج) (حارس الانتظار) (نواح النجوم) (همسة خفيفة) (كتاب الصمت) (وردة الاعتراف) (شبابيك أتعبها الانتظار) (قالت لي الشمس) (همسة الجذور) (مطر الروح) (وردة الدعاء) وغيرها من عناوين تشكل لوحات تشكيلية مرسومة بنسب عالية من الكثافة التعبيرية لتشي بخطاب لغوي ينبني على الطاقة الخائلية الواعية لكافة تفاصيل (البنية الصورية) لهذه اللوحات وما تقدمه من فاتحة لدالّ النص من جهة أو دائرة مغلقة من الدلالة الموازية من جهة أخرى.

وللمزيد من الإيضاح لعمل الشاعر في ترسيخ هذين الخطين من البناء الصوري

1- بنية الفاتحة الصورية

2- البنية الصورية الموارية

الصفحات