أنت هنا

قراءة كتاب لذة النص وبهاء القراءة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
لذة النص وبهاء القراءة

لذة النص وبهاء القراءة

كتاب " لذة النص وبهاء القراءة " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

سأكتفي باختيار نموذجين من قصائد الشاعر في الديوان موضوع الدراسة. الأول بعنوان (وردة الاعتراف) وهو نص يشي عنوانه ببنية تعارضية Paradox بين السياق الجمالي لحضور الورد من جانب والسياق السلبي لمسألة الاعتراف التي تنبني على حضور الذنب أولاً، فنحن إذاً أمام هذه البنية التعارضية التي تفتح للشاعر أفقاً من الأبنية الصورية والدلالية لتأسيس نص كانت فاتحته (وردة الاعتراف):

ثلاثون عاماً

تفتّت قلب الطريق

وأنت تعيد لنبضك

ذاكرة الاحتراق

ونلاحظ الانطلاقة الزمنية للنص (ثلاثون عاماً) ووظيفتها السردية، ثم رسم لوحة الطريق مفتت القلب (تفتّت قلب الطريق) وهو طريق من الأخطاء والذنوب التي قادت إلى لوحة (ذاكرة الاحتراق) وما تحمله هذه الذاكرة من معان قريبة:

سألتك يا قلب:

كم مرة طاردتك الرياح

ولنعمل على جمع هذه اللوحات (قلب الطريق) (ذاكرة الاحتراق) (طاردتك الرياح) لنؤسس لرؤية تصويرية تراوح بين عناصر المحسوس واللامحسوس، وتحرص على توليف خائلية شديدة الحرص على الإحاطة بسرّ المعنى ومراوغة الدلالة ليقف الشاعر باللغة في منطقة وسطى تقترب من الإفصاح ولا تفصح، وتقل عن الإبهام فلا تنبهم. ويزداد تشكّل هذه المراوغة أيضاً عبر محاولة الشاعر لتقطيع المشاهد الصورية / اللوحات / اللقطات بشيء من الدرامية (سألتك يا قلب.. سألتك كم مرة.. قم من سرير الضلوع.. قدّم معي وردة الاعتراف.. حاول معي رغم هذي الدموع..).

فالصورة التي مثلت شرارة النص الأولى كانت بمثابة فاتحة أشرعت بوابة النص على مجالات صورية كان لابد أن تترى وتتوالى، وساعد في ذلك التوالي بنية السرد التي انطلق منها النص (ثلاثون عاماً) بالإضافة إلى تطوير هذه البنية بمزيد من اللحظات الدرامية التي يحاور فيها الشاعر (القلب) كما بدا آنفاً.

لقد مارس الشاعر في هذا النص نمطاً مدهشاً من (الرسم بالكلمات) في إطار مغلق وشديد التماسك، مسرود بطريقة سينمائية تذكرنا بتقنيات (الفيلم القصير) مكثفاً فيها عدداً من التعالقات النصية مع العيد في شعر المتنبي، والروح السريالية عند سلفادور دالي، وخيبة الأسطورة في حضور الحبيبة التي تشبه بينلوب في انتظارها ليوليسيس دون جدوى:

لعل الحبيبة تطلع

من بسمة العيد كالصبح

تلثم فيك الجراح

وتحضن من شدو الشوق ورداً

على العتبات ترامى

أما النموذج الآخر للوقوف على تجليات البنى الصورية، والذي يمثل (البنية الصورية الموازية) والتي تتكرر فيه الصور باختلاف مشاهدها وألوانها وخطوطها لتعرض لنا صورة واحدة ولكن من زوايا عدة، تماماً كما الكاميرات التي ترصد المشهد السينمائي ذاته عبر توزعها في زوايا مسرح الأحداث فهو نص (قمر الماء) الذي يسيطر على بنيته الصورية حقل دلالي واحد هو الصورة الكروية، ففي العنوان يتبدى (القمر) ثم تتكرر صورته داخل النص بشكل (قمر غاص في الماء)

مستدفئاً بثياب النجوم

وسحر استدارته

وتتكرر هذه الاستدارية الكروية فيما بعد بصورة الدوران عبر قوله (لطائر عشق يحوم على شرفة البحر) وبصورة (استدارة وجه الحبيبة) ومن ثم يبرز التجلي الأخير لهذا النمط التخيلي (تفاحة الروح) ولينغلق حقل الدلالة هنا.

إن هذا التشكيل الاستعاري (الشكلي) من خلال البناء الاستداري للصورة وتجلياتها يكشف عن بُعد نفسي تقع بؤرته في قول الشاعر (يسأل سرب النوارس) وهو السؤال الذي لا يتلقى الشاعر إجابة عنه، فيما يعني إعلاناً عن نوع من الضياع والتوهان داخل هذه البنية الاستدارية لأنماط من المتخيل الذي مثلته عوالم الأشياء الحية وغير الحية (القمر، الوجه، التفاحة، الاستدارة) فضلاً عن أفعال / أحداث مثل: (يحوم) وغير ذلك.. وهو توهان داخل هذه الدوائر ناجم عن حالة من العشق، وهي حالة توهان بحد ذاتها يرسمها الشاعر فتتشكل بعالم من الخيال الدائري الذي عكس ما أسميته (بالبنية الصورية الموازية).

الصفحات