أنت هنا

قراءة كتاب ملك نويشفانشتاين

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ملك نويشفانشتاين

ملك نويشفانشتاين

كتاب " ملك نويشفانشتاين " ، تأليف أسيد بسام حمدان ، والذي صدر عن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

مقدمة

ديوجين أحد فلاسفة الإغريق، وصاحب المصباح الشهير الذي كان يحمله في وضح النهار يفتش عن إنسان؟! وكان معاصراً لأفلاطون والاسكندر الأكبر، ولم يهتم - كفلاسفة ذلك العصر - بدراسة الميتافيزيقا أو ما وراء الطبيعة، ولا بما فيها من أفلاك ونجوم، فكان إذا سمع رجلاً يتكلم عن الأفلاك يقوله له: متى كان نزولك من السماء، ثم يلتفت إلى من حوله، ويقول: إن هؤلاء يتكلمون عن الكواكب، وهم لا يعرفون حقيقة ما تحت أقدامهم، ولا ينتبهون إلى ما هم فيه من الفقر وضيق الحال.

بهذه الكلمات يمكن تلخيص فلسفة ديوجين؛ بأن الإنسان هو الذي يعمل ويجد ليحقق الحرية، ويحسن مستوى الحياة، وأن من أهمل هذا الواجب فلا ينبغي أن يعد من البشر. ولذا كان يحمل مصباحه في رابعة النهار يفتش عن «إنسان»، وكان يقول: أسوأ الأشياء الشيخوخة مع الفقر، وأحسنها الحرية، وكان يسخر من الاثينين لأنهم يبنون الهياكل الضخمة للآلهة، وبينهم آلاف الفقراء بلا مأوى، وكان يقصد الهياكل ليأكل فيها، ويصيح آه ما أحسن الاثينين أسسوا لي هذا الهيكل لآكل فيه، يريد بقوله هذا إن السبيل إلى «الإله» أن تنفق هذه الأموال لسد عوز المعوزين، وحاجة المحتاجين، لا لتشييد البنيان، وزخرفة الجدران.

كان ينعى على تقاليد قومه، وينكر عاداتهم، ويسخر من الذين يقدمون القرابين للآلهة، ويتطيرون من الأحلام، وينسون ما يعانونه من آلام اليقظة. خرج ديوجين على تقاليد عصره، ولكنه لم يحمل سيفاً ولا قلماً، بل كان يسير في الأسواق والشوارع، ويدخل المعابد والمجتمعات يوجّه الناس إلى الطريق الأفضل، إلى تغيير الأساليب التي اعتادوها وألِفوها، مبيناً أن التغيير سهل يسير، ويأتي بأفعال تدل على السخرية والاستخفاف بعرفهم وطريقتهم، فإذا وضعوا العطر على رؤوسهم وضعه ديوجين في قدميه، وسئل عن السبب، فقال: إذا وضع في القدم صعدت الرائحة إلى الأنف، يريد بهذه السخرية أن يرشد الناس إلى أن المهم أن ينظر الإنسان إلى الأرض التي يعيش فيها، كما ينظر إلى السماء، ورأى رجلاً يلبسه خادمه النعل، فقال له: لم يبق إلاّ أن يطعمك، فما منفعة يديك؟

ورأى قضاة يحكمون على سارق، فقال: لصوص كبار يحكمون على لص صغير. ورأى رجلاً يرمي غرضاً، ولا يحسن الرمي، فأسرع ديوجين ووضع رأسه مكان الغرض، وقال: خفت أن يصيبني ما دمت بعيداً عن الغرض الذي يرميه، وهو يهدف إلى أن السلامة والرشد في مخالفة من يخطئون، ويقولون ما لا يعملون.

وألح عليه أحد الملوك ليعيش معه في قصره، فقال ديوجين: الخبز اليابس خير من العيش في ظل قصورك. وأحب الاسكندر أنيرى ديوجين، فذهب إليه، وهو جالس في الشمس، فلم يتحرك ديوجين من مكانه، ولم يلتفت إليه، فقال له الاسكندر: أنا الملك اسكندر الأكبر، فقال له ديوجين: وأنا الكلب ديوجين، فقال له الاسكندر: أراك بحاجة لأشياء كثيرة، فسلني ما تريد، فقال له: حاجتي إليك أن تتحوّلمن هنا، فقد منعت عني ضوء الشمس، وقطعت لذتي بها، فعجب رجال الاسكندر من جرأة ديوجين على مليكهم، فالتفت الاسكندر إليهم، وقال: لو لم أكن الملك الاسكندر لأحببت أن أكون ديوجين.

كان ديوجين لا يملك سوى عصا وخِرْج وقدح من خشب وبرميلينام فيه، وكان يمشي حافياً في الصيف والشتاء، ومع فقره هذا كان في نفسه أكبر من الملوك والحكّام الذين يثيرون الحروب، ويريقون الدماء، وينشرون الرعب في القلوب، ويتنافسون على السلطان وابتزاز الأموال، وكان يهزأ بكل إنسان يهتم بأشياء تذهله عن نفسه ومتاعبه، ولا تجديه فتيلا.

بحث أفلاطون وأرسطو عن أسباب الكون وحقيقته، وهل هو حادث أو قديم؟ وانصرف ديوجين إلى النظر في حياة الإنسان وشؤونه، واكتفى باليسير من العيش ليحيا مناضلاً، في سبيل الحرية، مجاهداً ضد الظلم والاستبداد.

لقد مضى على وفاة ديوجين الحكيم أكثر من ألفي سنة، ولا زالت فلسفته حيّة نامية نابضة تؤمن وتعمل بها الشعوب في كل زمان ومكان. وإن لم تسمع باسم ديوجين، وتعرف عنه شيئاً، فذلك لأن فلسفته هذه هي فلسفة الحياة التي تقوم على الإيمان العميق والراسخفي نفس كل من يشعر بحقّه وكرامته.

 

الصفحات