أنت هنا

قراءة كتاب آمنت بربكم فاسمعون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
آمنت بربكم فاسمعون

آمنت بربكم فاسمعون

كتاب " آمنت بربكم فاسمعون " ، تأليف محمد سعيد رمضان البوطي ، والذي صدر عن دار ا

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3

فأي عذر بعد هذا لشباب نشؤوا في بلاد مسلمة، ينطقون بلغة القرآن، ومن حولهم الكتب الزاخرة التي تعرف بالإسلام، وبين ظهرانيهم المساجد المعمورة بالمواعظ والدروس، أي عذر لهم في أن يغمضوا أعينهم عن هذا الدين ويعرضوا عنه، لمجرد أن بيوتهم ليست بيوتاً إسلامية، أو أن آباءهم لم يعلموهم الإسلام؟..

ما من إنسان أوتي نعمة العقل والتفكير، إلا وهو يملك مقومات التحرر من سلطان أي بيئة وتقليد، فهذه نعمة وهبها الله لسائر عباده المكلفين.

وما من عاقل إلا ويعلم أن أمر الإيمان بالله والدينونة له، ومعرفة ما قد كلفنا به، مسألة خطيرة تتعلق بمصير كل إنسان.

فكل من أتيح له أن يسمع بنذير هذا الدين وندائه، فإن خطورة الأمر تقتضيه أن يتتبع النداء ويصغي إلى النذير، وأن يتبين حقيقة الأمر عن كثب.. ولئن كلف ذلك أمثال هذه الأخت الفاضلة أن تجتاز دنيا من ظلمات الكفر والضلال وتقتحم عقبة إثر أخرى، وهي لا تملك خلال ذلك كله إلا حرية عقلها، فما أيسر أن يكلف ذلك آحاد المسلمين عندنا مجرد الانعتاق عن سلطان بيوتهم، والتحرر من تقاليد بيئاتهم.

ثانياً - لقد قرأت في كل سطر من سطور هذه القصة، معنى قول الله عز وجل وهو يوضح مستقر الإسلام من كيان كل واحد من بني الإنسان، مؤمناً كان أو كافراً، مشرقاً أو مغرباً: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: 30/30] .

ولقد أصغيت من خلال سطور هذه القصة إلى نداء الحقيقة، ينبعث هداراً قوياً من واقع هذه الأخت المؤمنة، يسمعه كل متأمل حر: ألا إن هذا الدين ليس صنعة إنسان، ولا اختراع دولة، ولا ميراث أمة!.. إنما هو حقيقة ربانية تنزلت من لدن قيوم السماوات والأرض، ذاك الذي بيده نواصي هذه الخليقة، وإليه مردّ الناس أجمع، فلن تنكسف شمسها مهما تصاعدت إليها أتربة الأرض، ولن يُطفأ نورها مهما اتجهت إليها أفواه نافخة وأوداج منتفخة.

فطرةٌ غرسها في أعمق أعماق النفس الإنسانية خلاقها العظيم ومبدعها الحكيم!..

ولئن لم يشعر بها الكائدون والمعاندون؛ فذلك لأنهم حجبوا عنها بسكر شهواتهم وأهوائهم، ويوشك أن يشعروا بها عند أيّ هزة تصيبهم أو بلاء يحدق بهم.

وإلاّ فمنذا الذي هيج هذه الأخت إلى تفهُّم الإسلام ثم اعتناقه، وكل من حولها من الناس مثبط أو مبشر أو مضلل؟.. منذا الذي صاح بها في أعماق نفسها أن تبحث عن الحقيقة، بل منذا الذي أشعرها أن ثمة حقيقة يمكن أن تعثر عليها إن هي جدّت في البحث عنها والسعي إليها؟.. على أن الأمر ليس أمر هذه الأخت وحدها، بل هو شأن المئات بل الآلاف، في أنحاء أوربة وأمريكة وآسية، كلهم جادّون في البحث، متجهون إلى الإسلام، مهطعون إلى الداعي.. داعي الفطرة الإسلامية المنبعثة من أعماق نفوسهم الإنسانية.

أتريد أن تسمع معي صوت هذه الفطرة، صافية من كل شوب، نابعة حتى من فؤاد لم يتبصر بحقائق الإسلام بعد؟

إذن فتعال أقتطع لك من قصة هذه الأخت، العبارات التالية، وهي تصف حالها إذ وضعت مولودها الأول في مسقط رأسها بأمريكة، بعيداً عن زوجها المقيم بدمشق، وذلك قبل أن تدخل الإسلام وتعلم شيئاً من أحكامه وتفاصيله:

"ها أنا ذا أحضنك لأول مرة يا بني، بعيداً عن والدك، فقد أدخلوه في الجيش، فأرسلني لأضع عند أبي العجوز، الذي لا يزال يحزن لشأني رغم تأكيدي له أنني بخير.. وسنعود قريباً أنا وأنت إلى دمشق..

لقد سميتك محمداً، فإنه اسم أبيك وجدك، وهو كذلك اسم نبيك إذ خرجتَ إلى الدنيا مسلماً مطمئناً..

أنت أمانة بين يديّ، ولا أملك أن أكفل مستقبلك.. ليتني كنت مؤمنة فأتوكل على الله.. ليتني قادرة على أن أجعلك مؤمناً، أن أحدثك وأنت نائم، فتسجَّل عندك كلمة تبقى معك إلى أن تكبر، كلمة تثبتك. ولم أحفظ من دينك إلا ما كنت أسمع المؤذن يقول، لأقوله في أذنك..".

واحتضنت الأم طفلها، وأخذت تتلو ألفاظ الأذان في أذنه بسائق من الفطرة التي تعتلج في أعماقها، دون أن تعلم بأن ذلك سنة موروثة عن رسول الله !!..

هل يمكن أن تسمع أذناك صوت الحقيقة الإسلامية الكامنة في أعماق كل نفس، بأقوى مما ينطق به هذا المشهد الأخاذ في هذه القصة؟..

الصفحات