أنت هنا

قراءة كتاب آمنت بربكم فاسمعون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
آمنت بربكم فاسمعون

آمنت بربكم فاسمعون

كتاب " آمنت بربكم فاسمعون " ، تأليف محمد سعيد رمضان البوطي ، والذي صدر عن دار ا

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8

- لكن الرؤيا لا تفارقك.

- لا.

- ألا تستطيعين التكلم عنها؟

- لا.. لا تذكريني بها.

- قد أضطر أن أذهب بك إلى الطبيب.

- لا أريد ذلك.

- إذن ستحدثينني عما يرعبك في كل ليلة، وسنتغلب عليه إن شاء الله.

- انتظري قليلاً..

- لن أتركك تنامين حتى تروي لي ماذا يلم بك..

- من البداية؟

- نعم.

- سأحاول، لكني أخاف..

- إنني معك.

- لقد وقعت على الأرض وجرحت ركبتي.

- نعم؟

- فحملني أبي.. حملني إلى الضوء الصغير الذي يضيء حين يدور جهاز التدفئة تحت أرض البيت، وقال لي إن هذا النور الضئيل سيبرئ جرحي..

- غريب!

- وحين رفعني أبي أصابت نقطة من دمي الضوء الصغير فإذا به ينفجر في وجهي، فينفجر معه جهاز التدفئة، ثم ينفجر البيت كله.. وأرتمي إلى الأرض.. أتطلع إلى أبي فلا أجده!! البيت يحترق!! يقترب مني اللهب ويخفق قلبي بعنف في صدري، وقد ذهب عني صوتي، وخارت قوتي.. لا بد أني أحترق..

- إني معك، فلا تبكي يا بنتي.

- لقد ذهبوا وتركوني أحترق..

- وهل تصل إليك النار؟

- إني في تلك اللحظة أستيقظ..

- خير يا بنتي خير.. سنتحدث في الصباح، وأفهمك أنه خيال، لا ينبغي لنا أن نخاف منه أبداً.

أيها البحر الصديق، كن لي ملجأ من هذه الحياة الشاقة المحيّرة فإني أحس عندك براحة وطمأنينة كدت أنساها لو لم أتعرف عليك.. أدخلني في مملكتك مع أهل الصخور والأحواض والأعماق، وعلمني شجاعةً أواجه بها غرباء البشر فلا أخشاهم، ولآتينَّك في كل فرصة، فإن أملي فيك كبير، أيها الصديق، أيها البحر!!

- كم سيحسدني رفيقي حين أخبره بأني ذهبت معك إلى المخبر يا أبي!

- أود لو تصبرين قليلاً فلا تزالين صغيرة، لكن ربما تتشجعين على الجهد في المدرسة..

- لا أحب المدرسة.

- ولكن لا بد منها؛ فهي أساس الحياة الفضلى، ومَن لا علم له لا احترام له.

- ألا تعلمني أنتَ فأترك المدرسة؟ إنها سلبت روحي! إنها عدوي!

- إني مختص بعلم الإحاثة، فلا أقدر على تدريس غير هذه المادة. وإني اخترت اختصاصي بعد دراسة شيء من العلوم كلها، فكيف تعلمين ما هو ميلك إن لم تتعرضي إلى الكل؟! ثم إن طلابي قد خرجوا من المدرسة ثم من الجامعة قبل أن يأتوني.. تفضلي، ادخلي..

- آه! إنها قاعة تفوح فيها رائحة حجارة وغبار! ومكاتبها! كأنها تحتوي آلافاً من الكتب والمصنفات!

- نعم، هو كذلك.

- ما هذه الحدائد؟

- إنها بعض المغنطيسات.

- لا أستطيع أن أفرقها. كم هي قوية! أصحيح أن الأرض مغنطيس؟!

- نعم، بسبب دورانها. أتدرسين هذا في المدرسة؟

- لا أتذكر. بابا!! ما هذا!!

- ماذا يظهر لك؟

- رمل أبيض.

- ضعي الصحن تحت المجهر.. عدلي الصورة من هنا.. جيد..

- إنها صدف!! ملايين من الصدف كالتي أراها على شاطئ البحر!

- بل إنها مستحاثات.. بقايا متحجرة من حيوانات دقيقة جداً عاشت من بليون سنة تقريباً.

- ما أروعها! بعضها على شكل نجمة، وبعضها مدور، وبعضها شائك.. إنها أمم! ماذا تفعل بها يا أبتاه؟

- إنني وزملائي نعمل على جمعها وتصنيفها لنكتشف بها النفط، فأصل النفط من أجسام هذه الحيوانات.. وقد بدأنا نحسب ونحدد بها تاريخ الأرض بما نجده في طبقاتها الصخرية من أنواع هذه المخلوقات.

- لقد علمت الآن لماذا لا تبقى في البيت طويلاً.. والحق معك يا أبي! ما كنت أتصور أن العلم لذيذ هكذا.. دعني أرافقك دائماً إلى هنا، وأساعدك وأتعلم.

- إن لم تزعجيني أثناء عملي، فسوف آتي بك في بعض أيام العطلة.

- أبداً أبداً يا أبي..

- وشرط ثانٍ أن تنتبهي إلى دروسك في المدرسة.

- لا تجعلني أعدك شيئاً، قد لا يتحقق، فإني أستمع إلى الدروس لكن أفكاري تهرب فجأة، تحملني بعيداً بعيداً، على الرغم مني فماذا أفعل؟

- حاولي!

- سأحاول.. شكراً يا أبي.

- انظري! هذه نقطة من الماء على الشريحة.. ضعيها تحت المجهر.

- إنها تتحرك.. فيها أشياء تتحرك..

- ركزي..

- إنها مخلوقات شفافة.. يا للعجب! أنحن نشرب هؤلاء؟

- كل يوم. لاحظي أن جسمها من خلية واحدة، تنقسم أمام عينيك فتتكاثر هكذا، وأن لها مثل قلب ينبض.

- لولا المجهر ما رأيتها.. ترى، هل هي تراني؟

- كلا. إنها لا تبصر، وحتى لو كانت تبصر فلن تراك لضخامة حجمك بالنسبة إليها.

الصفحات