أنت هنا

قراءة كتاب رباعيات مولانا جلال الدين الرومي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
رباعيات مولانا جلال الدين الرومي

رباعيات مولانا جلال الدين الرومي

كتاب " رباعيات مولانا جلال الدين الرومي " ، ترجمة عيسى علي العاكوب ، والذي صدر عن

تقييمك:
3
Average: 3 (1 vote)
الصفحة رقم: 6

2- رُباعيّات مولانا جلال الدين الرّوميّ

جاء مجموعُ رُباعيّات مولانا الرّوميّ في آخر ديوانه الكبير أو «كليّات ديوان شمس تبريزي». وتبلغ عِدّتُها في نشرة العَلاّمة المرحوم بديع الزمان فروزانفر ألفًا وتسْعَ مئةٍ وثلاثًا وثمانين رباعيّة. ورُباعيّاتُ مولانا من أوّلها إلى آخرها تتحدّث عن رِحْلة الإنسان إلى الحقّ سبحانه وما يتقدّم ذلك ويكتنفه ويعقبه. وطيفُ الموضوعات والفِكَر التي تعالجها هذه الرّباعيّاتُ واسِعٌ جدًّا، يشمل آفاق التجربة الرّوحيّة الواسعة لمبدِع مُسْلم قليل النظير في تاريخ الثقافة الإنسانية بَلْهَ الإسلاميّة. ويعزّ علينا، وعلى أيّ باحث، ضبْطُ التجلّيات الدّلالية الكثيرة المتباينة لهذه الرّباعيّات. والملمح العامُّ البارزُ في هذه الرّباعيات من جهة الموضوع هو حال العاشق مع المعشوق وما يكتنف الصّلة بينهما مِنْ وصال وهجر، وقبول وصدّ، وغمّ واشتياق. وعلى الجملة كلّ ما يكتنف سَيْر السالك في طريق الحقّ سبحانه.

والرّسالةُ التي تحملها الرّباعياتُ جميعًا هي عَطْفُ العِنان إلى فضْل الدَّيّان سبحانه على الخلق، وجمال التسليم لمبدِع كلّ جمال، وروعةُ التوجّه إلى الواحِد الأحد، الحبيب الحقيقي الأوحد، سبحانه.

وتضفي العبقرية الشعرية عند الشاعر الصّوفيّ الكبير على كلّ ما يعبِّر عنه من مواجيد وأحوال أبعادًا غريبة

وقشيبة، وألوانًا بديعة زاهية، وإشراقًا يملأ آفاق نفس المتلقّي الذي تتجلّى له قدرةُ الصّانع في المصنوع وحكمةُ الذي ما خلق شيئًا باطلاً، سبحانه.

وبرغم أنّ الطبيعة الفنية للرّباعية تستلزم أن يكون الموضوعُ في كلّ رباعيّة مستقِلًّا مُنْبتًّا عمّا سبقه وعمّا لحقه يأنس المتأمّل أنّ الموجة الشعوريّة في بحر إبداع الشاعر المسلم جلال الدّين الرّومي كانت تمتدّ طويلاً لتشمل عددًا من الرّباعيّات، حرص الشاعرُ على أن يجمعها في أحيان كثيرة رباطٌ من الشكل شبيهٌ بالفاصلة القرآنية. وهذا الرّباطُ الموحّدُ بين عدد من الرّباعيّات كثيرًا ما يكون عبارةً خاصةً تأتي في مطلع عدد من الرّباعيّات المتوالية أو في أواخرها أو في أوساطها.

ويلاحظ المتأمّل أنّ فكرة الزّمان تشكّل إطارًا للدّلالة في معظم الرّباعيات المقدّمة. ومرجعُ ذلك فيما يبدو، كونُ الزّمان إطارًا لأحوال النفس؛ ومن هنا يكثر ذِكر اللّيل والنهار، والسَّحَر والصّباح، والشتاء والرّبيع، والشمس والقمر، والنوم واليقظة..

وكذلك فإنّ جمالَ المعشوق استحضر لتصويره وتقديمه أبرزَ ما قدّمتْه المعرفة العقلية والنقلية من ضروب الجمال وعناصره الممثِّلة؛ فإذا الأزهارُ والرّياحين والأشذاء والرّوائح، والجواهر والأحجار الكريمة، والأجناس البشرية، والحيوانات [هذه جميعًا] مادّةٌ شكّل منها الشاعرُ الكبير معانيه وأخيلتَه وصُوَره، في عرضٍ أبرزُ مميزاته جمْعُ الجزئيات الصّغيرة والدّقائق لتشكّل معنى مؤثّرًا وصورةً جذّابةً وتعبيرًا بسيطًا مبهجًا للحسّ والرّوح. المعنى في رباعيّات مولانا شبيه بالمنمنمات الفارسيّة التي تستخدم الأصباغ والأشكال والفراغ في تشكيل لوحة عجيبة قادرة على الإبهاج والإدهاش والإثارة.

والرّوحُ الذي تعبّر عنه رُباعيّات مولانا هو روحُ العارف الشاعر الذي فَقِه الإسلام العظيم في أبعاده وتجلّياته الصّوفية، وأدرك وحدة الصّانع في المصنوع، وتبدّى له الجمالُ الذي ما بعده جمالٌ، فسجّل ما ارتسم في مرآته الصّافية من ذلك بهذا الشكل التعبيريّ الذي عُدّ من خصائص الشخصية الإيرانية في تجلّيها الأدبيّ.

أمّا الأفقُ القيميّ الذي ترتفع إليه الرّباعيّات المقدّمة هنا، فليس من شأني أن أحدّده وأقرّره، وأترك للقارئ الكريم الذي أثق بحصافته وبصيرته النقدية مهمّة الحُكم في هذه القضية.

الصفحات