أنت هنا

قراءة كتاب ألوان المغيب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ألوان المغيب

ألوان المغيب

كتاب " ألوان المغيب " ، تأليف عبد الواحد لؤلؤة ، والذي صدر عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3

في هذه الفترة نشطت الكتاتيب وحلقات المشايخ في تعليم العربية وعلوم الدين· وظهرت مجموعة من الشعراء والأدباء، على قلـّـتهم في العقدين أو الثلاثة العقود التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، لكنهم كانوا نواة حركة أدبية في دمشق، تضاهيها وتتفوق عليها أحياناً، حركة مماثلة في حلب·

في هذا الجو الثقافي ظهر عدد من شعراء الجيل الأول في سوريا، منهم عمر أبوريشة، وبدوي الجبل ومحمود البزم وشفيق جبري، على تفاوت مواهبهم الشعرية· وشعر هذا الأخير هو موضوع الدراسة في هذه الورقة·

بدأ شفيق جبري في كتابة الشعر في حدود عام1917 وهو لمـّـا يبلغ العشرين من العمر، كما يؤرخ لذلك في قصائد قليلة منشورة في ديوانه نوح العندليب (1984)· وكان آخر ما كتبه من شعر عام 1980 قبل وفاته بقليل· والملاحظ في قصائد هذا الديوان أنها جميعاً من الشعر التقليدي ذي الشطرين، وكأنه لم يستجب إلى ما تطوّر من شعر عربي بعد الحرب العالمية الثانية، وبخاصة في عقد الستينات من القرن الماضي· من أجل ذلك لا يمكن النظر إلى شعر جبري من منظور التطور اللاحق في شعرنا العربي، بل ليس من الإنصاف محاولة ذلك· لقد بقي شعر جبري محصوراً في حدود التراث القديم، إلى جانب تراث معاصريه من شعراء العربية، الذين هم ي الغالب من شعراء عصر الإحياء أي إحياء التراث القديم، ممـّـا يسوغ وصـف شعر جبري بالقديم المـُـحدث· إلى جانب ذلك، لا نجد أثراً لثقافة أجنبية في شعره· ففي سلسلة محاضرات ألقاها في معهد الدراسات العربية العليا في القاهرة، أعاد إصدارها في كتاب بعنوان أنا والشعر (1959) يفسـّـر جبري طريقته في نظم الشعر، وكأنه يقول لنا: هكذا يـُـنظم الشعر· وبمعنى بعينه يشيرنا قوله تضميناً إلى آراء بوالو ومريده پوپ في توكيدهما على أن يكون قديم الشعر هو النبراس الذي يهدي الشاعر· ويحسن الوقوف قليلاً عند قصيدته الزمان ص 613 - 317، فهي من باكورة الشعر بين 1917 - 1918 كما أثبت الشاعر في ذيل القصيدة وكما أشار في كتابه أنا والشعر ص 11، قائلاً إنه كان يقلـّـب النظر في مختارات من الأدب الفرنسي فاهتدى إلى قطعة لخطيب فرنسي مشهور من رجال الكنيسة هو ماسيـّـون (1663 - 1742) عنوانها الزمن يقول جبري إن هذا الخطيب الكنسي الفرنسي امتاز بفصاحة لسانه، وقوة تأثيره، وعذوبة أسلوبه ثم يضيف: طالعتُ قطعة ماسيـّـون فرأيت أن لا قدرة لي على تثبيت أفكارها في شئ من الشعر، فإن شعر الشعراء الذين أنستُ بدواوينهم في القديم لم يألف هذا النحو من الأفكار

ليس واضحاً أمام القارئ إن كان الشاعر قد قرأ تلك القطعة بنصـّـها الفرنسي، كما يوحي به إطراؤه أسلوب الخطيب الكنسي، أو أنه قرأها في ترجمة عربية· فإذا كان الاحتمال الأول قائماً فإن ذلك يدلّ على أن الشاعر قد نشأ في مدرسة فرنسية في فترة الحكم العثماني (مدرسة اللعازاريين)، وأتقن اللغة الفرنسية وآدابها وهو دون العشرين من العمر· ولو صحّ هذا الاحتمال يكون من الغريب جداً أن الشاعر لم يـطوّر ثقافته بقراءة الأدب الفرنسي، مما كان سيطوّر شعره في اتجاه آخر· أما إذا كان الشاعر قد قرأ تلك القطعة في ترجمة عربية فإن العجب سيزداد من وجود ترجمات عربية عن الأدب الفرنسي في ذلك الزمن المبكـّـر بينما كانت سوريا ماتزال تحت الحكم العثماني· غير أن الشاعر يسارع إلى القول إن مرحلة الاقتباس عن كبار الكتـّـاب أو عن أدب الغرب··· لو ثابرت عليها لتغيـّـرت آفاق شعري

والملاحظ أن فترة الخطيب الكنسي الفرنسي الذي أُعجب جبري بأدبه هي الفترة نفسها التي ازدهر فيها أدب بوالو وپوپ الإنـگـليزي، وهي فترة الكلاسية المحدثة التي ينعكس فيها أثر براعة الأسلوب القديم من إغريقي أو لاتيني· في قصيدة الزمان وسابقتها قصيدة خيال الغد من الفترة الزمنية نفسها يخبرنا الشاعر أنه فضـّـل الاقتباس من المنفلوطي والمتنبي واستلهام الصور والأفكار منهما لا من قطعة الخطيب الكنسي الفرنسي· فالمتنبي يمثل التراث العربي القديم والمنفلوطي يمثل التراث العربي المعاصر للشاعر، وهذه هي الصفة الغالبة في شعر جبري·

الصفحات